المتابعون للمدونة

الأحد، 11 يونيو 2017

جدي فؤاد رحمه الله


 
جدي الحبيب الراحل الأسطى فؤاد يوسف عتمان (والد أمي).. توفي من 24 عاما وعمري 16 عاما (هناك جزء من أحفاده لم يروه).

قضيت معظم طفولتي في بيته وكنت أحب أن أذهب إليه في البيوت التي يشطب سباكتها لأشاهده وهو يعمل والعب بالادوات وبالرمل.

كان ماهرا في حرفته ويناديه الناس يا بشمهندس.. وربما ما زالت صنعة يده حية الى اليوم في بعض البيوت.. وما زال تلاميذه وتلاميذ تلاميذه يمارسون الحرفة إلى اليوم.

وكان رحمه الله كل صباح يغسل رأسه ويضع الفازلين في شعره ويتطيب بالعطر ويحرص على لمعان حذائه.. كان يحرص على أناقته وهيبة مظهره رغم مهنته المرهقة بما فيها من أتربة وأسمنت ورمل وتكسير.

وكان جدي فتوة في شبابه يمتلك قوة عضلية وَهَيبة، فكان مرهوب الجانب لأنه إذا رفع يده لم تنزل "فاضية" كما كان يقول.. يعني انه إذا رفعها فسيضرب بها أحدا ولا يبالي.. لكنه كان عف اللسان طيبا محبوبا.

وكان جدي يحكي لي كيف أن 14 شخصا عجزوا عن رفع باب معدني جرار ضخم لأحد المخازن فأزاحهم وفتحه بمفرده.. لكن الذي دمر صحته هو شراهته في التدخين، وهو الدرس الذي رأيته عمليا في معاناته برئتيه أخر سنوات عمره، وجعلني لا أقترب من السجائر في حياتي ولو من باب التجريب.. بل إنني كنت أحد أسباب إقلاع أبي رحمه الله عنها مبكرا، لأني لا أطيق رائحتها، فكان أبي يخرج للتدخين في الشرفة أو على السلم، وهو ما جعل تجربة التدخين غير سارة له خاصة في الشتاء، فوجد أن الحفاظ على صورته أمام نفسه وأولاده أولى، فعزم وتوقف والتزم.

ومن المواقف التي حكاها أبي عن جدي رحمهما الله، أن أبي أراد أن يكتب قائمة بالأثاث لأمي كما جرت العادة، فرفض جدي رفضا قاطعا، وقال له:

- أنا أعطيك بنتي البكر أغلى ما أملك، فهل سأنظر لبعض قطع الأثاث؟

ولهذا كان أبي يتعامل معه كأب لا كحما، ولم أشهد خلافا بينهما طيلة حياتهما إلا مرة واحدة، وكان خلافا بسيطا عابرا لم يستمر طويلا!

كان جدي فؤاد رحمه الله حاصلا على الشهادة الابتدائية فقط، ورغم هذا كان خطه رائعا، ليس فقط لبراعة يده وذوقه الجمالي، لكن أيضا لأنهم كانوا يعلمون التلاميذ الخط في المدارس.. حامل الشهادة الابتدائية قديما كان يفوق حامل الثانوية العامة اليوم!

وحينما حاولت تعلم الخط عند ا. عصام الغزاوي حفظه الله، كان جدي يبري لي البوصة بمطواته.. وحينما اكتشفت أنه يجيد الخط، احتكرته لكتابة اللوحات التي كنا نعلقها على حوائط الفصل في المدرسة الإعدادية.. ورغم كبر سن جدي ومعاناته في التنفس وتوقفه عن الخروج من المنزل، لكنه كان يستمتع بهذه المهمة.

ومن الأمور التي قد تدهشكم أنه والأستاذ أحمد عبده الجمل رحمه الله كانا أصدقاء عمر، رغم اختلاف الثقافة والمهنة، وكان الثاني يزوره في بيته ويقضي معه أمسيات على السطح.

ومن المواقف الطريفة التي أتذكرها لجدي رحمه الله كلما هل رمضان، أنني كنت صائما وأنا صغير (ربما كان عمري 9 سنوات) ونجحت في الصوم إلى المغرب، ووضعت جدتي حفظها الله الطعام على الطبلية، وجلسنا ننتظر اذان المغرب، ففوجئت بجدي فؤاد ينفجر ضاحكا، فنظرت له متعجبا وهو مستمر في الضحك بقوة، وسألته عن السبب فقال لي من بين ضحكه:

- أنت تأكل!

فانتبهت أنني بلا وعي وتحت تأثير رائحة الطعام الشهية والجوع الشديد، أمسكت الملعقة وبدأت الأكل قبل أذان المغرب!!.. وطبعا شعرت حينها بخيبة كبيرة على ضياع تعب اليوم في آخر دقيقة!

رحم الله جدي الأسطى البشمهندس فؤاد يوسف عتمان وغفر له وكفر عنه سيئاته وجعله من أهل الجنة.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

صفحة الشاعر