المتابعون للمدونة

الخميس، 30 أغسطس 2018

كوخ الصمت


اثنان في واحد (ليس برت بلاس)
(6) 

نظرت لبرت بلاس ـ أقصد لمحمد ولي ومحمد ولي ـ وقلت في حزم:

-      أنا أريد تفسيرا لما يحدث هنا.. من منكما محمد ولي الأصلي؟

-      أنا.

قالاها معا في نفس السرعة، فعقدت حاجبي بغيظ وقلت ببطء:

-      قلت.. من.. منكما.. محمد ولي.. المزيف؟

-      هو.

قالاها معا أيضا بطريقة مثيرة للجنون، فهتفت بغضب:

-      قلت من منكما ليس محمد ولي؟

نظرا لبعضهما ببلاهة، ثم أشارا إليّ في حماس وهتفا بصوت واحد:

-      أنت.

قلت بدهشة:

-      أنا؟.. أنا لست محمد ولي؟.. ومن قال هذا؟.. من يمكنه أن يجزم؟

قال محمد ولي الذي حطمتُ فكه لأنه صفعني:

-      أنا أستطيع أن أجزم.. يمكنك أن تراجع بطاقتك الشخصية.

-  ولماذا لا أكون بدوري محمد ولي متنكرا في صورة محمد حمدي، ومعي بطاقة مزورة؟.. دعاني أترنّخ بالفرصة وأغتنم أوكازيون الجنون، وأدّعي أنني محمد ولي بدوري.. ما دامت مهزلة ثنائية، فلماذا لا نجعلها ثلاثية؟

حاول محمد ولي الذي صفعته ناني أن يقول:

-      غانم.. إ..

-      لا غانم بعد اليوم.. أنا محمد ولي.. محمد ولي... هاهاها.

مال محمد ولي الذي لكمته في فكه، على محمد ولي الذي صفعته ناني وهمس في حذر:

-      يبدو أنه يحتاج لصفعة حتى لا ينهار عصبيا.

قال له محمد ولي الذي صفعته ناني:

-      معك حق.. تفضل.

تراجع محمد ولي الذي لكمته في فكه، صائحا في ذعر وهو يتحسس فكه:

-      لا لا.. أشكرك.. سبق أن جربت!

***

حَرَّدنا نحن الثلاثة إلى كوخ الصمت، حيث رحت أفتش جوانبه عن تفسير لهذا الموقف العبثي.. لكني لم أعثر سوى على آنية صدئة لا تصلح حتّى لإعداد كوب من التركيز الساخن، فألقيته بإهمال في جانب الكوخ، وجلست على أريكة خشبية عتيقة وأنا أنظر إلى برت بلاس بقلق، خشية أن يأتي الزنجي صاحب الكوخ من أدغال الشرود، فيجدنا هنا ويحدث ما لا تحمد عقباه.

ولهذا قلت أطردهما من كوخ الصمت، وأنا أُحرِد في سيري تجاه بابه:

-      هيا.. لا وقت لدينا... أسرعا قبل أن يأتي صاحب الكوخ و...

نظرا لي في دهشة، وقال محمد ولي الذي صفعته ناني لأنه لم يعرف من أين تُراقَص النملة:

-      ماذا تعني؟

همس في أذنه محمد ولي (الذي لكمته في فكه):

-      يبدو أنه جن تماما.

-      لا عليك.. إنه هكذا دوما.

-      دوما؟

-      دوما دوما.

-      دوما دوما؟

-      دوما دوما دما.

-      دو.....

كادا يصيبانِني بالجنون، فهتفت أقاطعهما في صرخة انتزعت أمعائي من أحشائي:

-      كفى.

ثم أدركت في هلع أن الصرخة انتزعت أحشائي من أمعائي، فسارع محمد ولي الذي صفعته ناني يهتف:

-      لا تصرخ فينا صرخة تنتزع أشلاءك من أمعائك.. نحن لسنا طفلين أمامك.

أسرعت أعيد أشيائي إلى أجزائي، وأنا أقول بصوت خفيض:

-      معذرة.

ومضت برهة حرّدنا فيها إلى كوخ الصمت من جديد، ولكننا لم نكد نفتح الباب لندلف إلى الداخل، حتى فوجئ بنا زنجي نحيف، تطلع إلينا بذهول، وأسرع ينتزع سكينه، وهو يرطن بكلام كثير لم أفهم منه حرفا، ولكنه كان كافيا ليطردنا مذعورين من كوخ الصمت.

-      هل سمعتني؟

-      هه؟

اكتشفت أن ذلك الزنجي لم يكن سوى محمد ولي الذي صفعته ناني على خده لأنه لم يعرف كيف تُراقَص النملة (إنها فضيحة)، وكان يكرر كلامه الذي شردت عنه:

-  أقول لك إنني لا أفهم ما يحدث.. لقد عدت منهكا من معمل الحاسب بعد الحريق الذي شب فيه و....

اعتدلت مقتنصا الكلمة مرددا في لهفة:

-      حريق؟

-      نعم.. ألم تر وجهي والقميص؟

تذكرت الحرارة والشرارة والمرارة والجدارة والسيجارة والأثارة والسدارة والغارة والمغارة التي دخلنا في قافيتها من قبل، فالتقطت نفسا عميقا (حوالي 33,25 مترا، حتى إنه كان مليئا بالتراب) وقلت بحزم:

-      حسن.. يبدو أن هناك قصة.. كلي آذان مصغية.

وفي الحال تحولت ذراعاي وساقاي وبطني وظهري إلى آذان كبيرة توجهت كلها صوب محمد ولي (الذي صفعته ناني لأنه لم يعرف من أين تؤكل كتف النملة)، وأنا أقول:

-  ولكن حذار أن تهمل أية تفاصيل مهما كانت دقيقة أو حتى ثانية.. ومن يدري.. ربما نستطيع اكتشاف حل اللغز.

ولكن هل هذا صحيح؟.. هل؟

***

كلا يا حزنُ

ما فيكَ يغنّي أبدا حسنُ

قد صار عصا موجعة يا حزنُ الغصنُ

هجرته طيورُ صباحٍ لا تهواكْ

لا تقربْ منا لا نهواكْ

***

-      كلا يا سيدي الناشر وألف كلا.

-      اجلس.. اجلس فقط يا سيدي لنتفاهم.

-  نتفاهم؟.. وهل بقي هناك تفاهم؟.. شركتي على وشك الإفلاس وهذا الوغد (يعنيني أنا بلا فخر) يرفض أن أضع إعلاناتي وسط الأحداث، رغم أن كل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمشمومة تتلهف للحصول على عقد إعلانات شركة بخاركو.

-      هدئ من روعك فحسب يا أستاذ بقلظ، وسيكون كل شيء على ما يرام.

-  ماذا يظن نفسه؟.. هه؟.. إنه مجرد مؤلف فاشل (يعنيني أنا ولا فخر) لا يستطيع كتابة مشهد واحد يقنع نملة محترمة بقراءته (ذكروني أن أبحث عن سبب كثرة النمل في هذه القصة.. هل هناك سكر في أي مكان هنا؟).. إنه معتوه (يعنيني أنا ولا فخر).

-  صبرا يا سيدي.. كل شيء سيتم كما تريد.. ولكن دعني أحضره أولا وأملص أذنيه (يعنيني أنا ولا فخر).. وثق أنه سيذرف دموع الندم ويطلب الصفح منك وهو (يعنيني أنا ولا فخر) يعتذر ألف ألف مرة.

***

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

صفحة الشاعر