المتابعون للمدونة

الأحد، 6 ديسمبر 2015

الريس "100 آل" بين الأصالة والمعاصرة


اثنان في واحد (ليس برت بلاس)

(4)

 

انتبهتُ إلى شيء غريب في وجه محمد ولي..

كان خده الأيسر أحمر جدا.. ولولا ثقتي أنه لا يستخدم أي أدوات تجميل، لما كان العجب!

سألته مندهشا:

-  ماذا حدث لك؟.. هل تشاجرت مع ناني فصفعتك على خدك الأيسر بيدها الثالثة؟

-      (ببلاهة) هه؟!

-      معذرة.. إنه مجرد حلم.

-      ألن تكف عن أسلوبك الساخر هذا؟

-      إنه تهمة لصقت بي منذ حاولت كتابة قصص المغامرات.

كان يستبدل ثيابه، ووجدته يتأمل قميصه ويقول بأسف وحرارة:

-      خسارة.. لقد أفسدته الشرارة.

-      ولماذا تتكلم بمثل هذه المرارة؟

-      كان أفضل قميص لديّ عن جدارة.

-      هل أفسدته سيجارة؟

-      بل كما قلت لك شرارة.

-      لماذا؟.. أكانت غارة؟.. فلتحكِ لي أَثارة.

تنهد في شرود وسدارة:

-      سأخبرك بالعبارة.

أجهدت ذهني للبحث عن كلمة مناسبة للحفاظ على القافية، فلم أجد فقلت بسرعة:

-      الدنيا غدارة.

-      تأخذنا من حارة إلى حارة.

وقفزنا نرقص معا ونحن نغني:

-      الدنيا غدارة.. الدنيا غدارة.

ثم تصافحنا بحرارة، وأنا أقول له بمنتهى الحماس والإثارة:

-      كفاءة وجدارة!

ضحك قائلا:

-      من عاشر القوم أربعين يوما في غرفة مساحتها نصف متر مربع مثل المغارة!

حاولت البحث عن أي قافية لمجاراته، فلم تسعفني قريحتي، وتركتني جريحا أنزف كرامتي على قارعة الخواء الذهني.. لا بد من حل ناجع لهذه المشكلة.. في العامين التاليين يجب أن أكتب برنامجا اسمه "الشاعر" بمساعدة صديقي محمد جلال بعد أن يدخل كلية الحاسبات والمعلومات، لأستخدمه في وزن الشعر والحصول على كلمات القافية.. لا بد أن أحافظ على سمعتي كشاعر متحذلق أمام المدينجية.

كنت غارقا في شرودي وهذه الأفكار تخرج من ذهني في شكل فقاعات تطفو بسرعة إلى السطح وتنفجر بمجرد خروجها إلى الهواء، ومحمد ولي ينظر لهذه الفقاعات بدهشة ممزوجة بالحيرة، بينما أنا أدندن بلحن أغنية: "إني أتنفس تحت الماء.. إني أغرق.. أغرق.. أغرق".

واستمر هذا لدقائق إلى أن انتشلني من شرودي صوت طرقات على باب الغرفة، قبل أن ينفتح الباب تلقائيا دون حتى انتظار إذن، ويدخل شخص كان يجفف وجهه في منشفة تخفي ملامحه.

وغمغم هذا الشخص بصوت مكتوم:

-      السلام عليكم.. هل أقلقت نومك يا غانم أم....

كان يرفع المنشفة لتبدو لنا ملامحه، ولنبدو له نحن و....

-      أنت؟

كلمة رددناها نحن الثلاثة في ذهول وكل منا يقفز من موضعه كمن صعقه تيار كهربي جهده ألف فولت في دائرة كهربية بها ثلاثة فروع على التوازي مقاومة كل منها موضحة في الشكل.. احسب التيار الكهربي في كل فرع. (ماذا؟.. لا ترى الشكل؟.. لا مشكلة.. حينما يمر دكتور المادة اسأله).

نعم.. لقد كان هو..

ولكن من هو؟

***

هو الليل، حينما يأتي يهل النجم بفتاوى

هو الليل، وحينما يهل ليل النجم يتهاوى

يحاوطنا بأشلاء من الأضواء والأحلام وشكاوى

ويوصلنا إلى المجهول خلف السُدُم، حيث اللغز سيداوى

***

-      لحظة يا أستاذ.. ماذا هذا الكلام؟

-      أنت مرة أخرى.. ألن تتركني أركز في الكتابة؟.. ما بال قراء هذه الأيام؟

-      أي كتابة؟.. فتاوى وأشلاء وسيدواى.. هل ترص أي كلام والسلام؟

-      وما أدراك أنت بالحداثة في الشعر؟

-      شعر؟!.. هذا كلام غير موزون!

-      ما شاء الله، وصرت تعرف في الوزن!

-      أميز الموسيقى بأذني، وهذا أشبه بطفل عمره عامان يقرع الحلل!

-  المذاهب الحديثة تقول إن الوزن يعيق الشاعر عن التحليق في فضاءات المعاني المستنسخة من تلافيف الوجدان المتجذر في تهاويم الكينونة الـ...

-  ارحمني من هذا الهراء.. ثم أخبرني ما الذي أقحم الشعر هنا أصلا.. هل تكتب رواية أم ديوان شعر؟

-  هذه هي العبقرية.. هذا هو تلاقح الفنون يا أستاذ.. يمكنني هنا أن أستنتسخ تجربة توفيق الحكيم عندما كتب المَسْرِواية (المسرحية الرواية) وأكتب الشعرواية.. أو من الأفضل تسميتها الرواشة.

-      الرواشة.. صباح الفل.

-  لكن لحظة.. الأفضل دخول العين في الاسم.. ما رأيك في العرواشة.. لالا.. الرعواشة.. أو ربما الرواشعة أو....

-      الرعّاشة.

-      الرعاشة.. الله يفتح عليك.. نعم.. أنا أقدم لك الآن باكورة أعمال فن الرعاشة.

-      نعم.. فهمت الآن لماذا بدأت أصاب بالشلل الرعاش.

-  بَعُدَ الشرّ.. هل يزعجك الشعر النثري الحديث إلى هذه الدرجة.. لا عليك.. خذ هذه من الشعر الموزون المقفى.

***

وها ها الليلُ، إنّ الليلَ ليلُ الليلِ يتلالا

ولما قالَ بعدَ القولِ: قَيـِّـلْ، قلتُ لا، لا لا

فأهْوَى الهَوْلُ بَعدَ الهولِ قبلَ الهولِ أهوالا

وكان الهولُ عندَ أبيهِ في الأهرامِِ جوّالا

وعندَ السفحِ في فَرَحٍ رَأَى السياحُ (مِتقالا)

وغنّـتْـنا ربابتُهُ، من الأزجالِ موالا

***

-      هاه.. ما رأيك؟

-      .....

-  ما لك تبدو هكذا كسمير غانم في مسرحية "المتزوجون" وهو يتذزق ملوخية لينا؟.. ألا تعجبك ملوخيتي بالشعرية؟.. أقصد ملوخيتي الشعرية؟.. يووه.. أقصد مقطوعتي الشعرية؟

-      .....

-  بالمناسبة.. شخص يسألني ويقول لي: يا كابتن لطيف، هل محمد غانم أخو سمير غانم، فأرد عليه وأجيبه لا.. بل هو مجرد تشابه أسماء.. فسمير غانم صعيدي وأنا دمياطي، ولا يوجد دليل أننا من عائلة واحدة أصلا، حتى لو كانت كلتاهما تحمل اسم غانم.. فربما كان ما غَنِمَتْه كل عائلة مختلفا، ويحتاج الأمر لإضافة تمييز بعد كل اسم عائلة للإيضاح.. مثلا: سمير غانم أرضا.. محمد غانم جوا.. وهكذا.. لكني الصراحة لا أعرف حتّى الآن ما الذي غنمته عائلتي بالضبط.. ولكن الصيت لا الغنى كما يقولون.

-      .......

-      أستاذ.. هل ما زلت معي؟.. هل فقدت النطق أم ماذا؟.. أستاذ؟

***

كنت أنا ومحمد ولي نحدق في ذلك القادم كالمجانين..

إنه هو بلا أدنى كوارك من الكترون من ذرة شك..

ولكن من هو... من؟

***

هو شيء لا غنى عنه لكل ربة منزل.

اطلبوا حلة بخاركو سريعة الطهي التي تقشّر وتُنضج وتأكل الطعام في عشر دقائق.

حلة بخاركو بالبخار متعددة الاستخدامات للطهي والكيّ.

أسعارنا تقبل كل شيء عدا المنافسة، فهي أغلى أسعار في السوق.

تحذير:

شركة بخاركو غير ملزمة بتقديم أي تعويض إذا تبخرت الحلة إن وضعت على النار لمدة أطول من ربع ساعة.. وإلا لماذا تظنون أننا أسميناها حلة بخارية؟. أليس لقابليتها للتبخر؟

***

نعم هو..

هو هو..

هو هو هو..

هو محمد ولي نفسه!

(لحظة من فضلكم.. نسينا أن نخبركم بعنوان شركة بخاركو في حارة الملاعين بجوار مقلب قمامة الزفتروشي.. وشكرا)

نعم هو محمد ولي نفسه.. بدمه وعظمه (لكن بدون شحم ولحم، فمحمد ولي لا يملك هذا الترف أصلا)

(أه.. معذرة.. نسينا أن نخبركم رقم هاتف شركة بخاركو.. إنه....)

-  ابتعد أيها السخيف ودعني أكمل الأحداث.. لا أدري هل صرت أكتب في موقف أتوبيس عام أم ماذا!!

-      خسئت.. إننا ندفع مالا مقابل الدعاية داخل رواياتك السخيفة هذه.

-      هذه أمور تخص الناشر لا تخصني.. فخذ حللك وابتعد عن هنا.

-      هكذا؟.. ماشي.. سأريك ما هي شركة بخاركو لتتجرأ على تحديها.

-      أعلى ما في حللك اركبه.

***

كان القادم هو محمد ولي آخر!

لست أدري كيف ولكنه هو..

كنت أدير عينيّ بين الوجهين في ذهول جم..

إنه هو هو هو هو..

كانا نسخة طِبْقَ الوغد!

نفس الملامح والقسمات والطول والمقاييس والصوت والضوء وكل شيء..

هو هو هو هو (بالمناسبة هذا توكيد لفظي وليس هوهوة).

لكني لاحظت اختلافين بينهما:

اختلافا في الملابس التي يرتديها كل منهما..

واختلافا في الوجه.. يبدو أن ناني لم تغضب من محمد ولي الثاني ولم تضربه على خده الأيسر بيدها الثالثة، لذا فلم يكن خد هذا الأخير أحمر.

وكان هذا مستحيلا بكل المقاييس الكليومترية والنانومترية والناني نملية!

ليس المستحيل بالطبع ألا تغضب ناني من محمد ولي الثاني فتضربه على خده الأيسر بيدها الثالثة.. بل أعني أن المستحيل أن يتواجد اثنان من محمد ولي أمام ناظري في نفس اللحظة.

هذا مستحيل.. مستحيل.. مستحيل.. مستحيل (بالمناسبة هذا توكيد لفظي وليس سَحْـلَـلَة)

***

..... تتبع بإذن الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

صفحة الشاعر