المتابعون للمدونة

السبت، 5 سبتمبر 2015

عن صنعة الشعر


يسألني بعض الموهوبين أحيانا أن أساعدهم في تعلم الشعر، وماذا يفعلون لكي يكونوا شعراء مجيدين.

الشعر باختصار هو: موهبة وأدوات وخبرة وتجربة.

 - الموهبة من الله.. شيء يتعلق بقدرات المخ البشري ورهافة الحس، والميول والأذواق.. أشياء لا دخل لنا فيها.

 - والأدوات نتعلمها.. وطبعا أهم أدوات الشعر الفصيح هي اللغة العربية نفسها، وهذه تحتاج تأسيسا دراسيا منذ الصغر لإجادة النحو والصرف، وقراءة القرآن والحديث وحفظ الشعر القديم لاكتساب المفردات والتراكيب والأساليب.. ولا بد من الرجوع إلى المعاجم فورا عند المرور على كلمات جديدة، وأخذ نظرة على معاني الكلمات التي تنمتي معها إلى نفس المادة.

وتعتبر الموسيقى أحد عناصر الشعر الرئيسية، لأن نشأة الشعر في الغالب ارتبطت بنشأة الغناء، والموسيقى تجعل الشعر أسهل حفظا وأسرع تناقلا.. والموسيقى هي الشيء الوحيد الذي يفرق الشعر عن باقي الفنون النثرية، لأنها جميعا تحتوي على عواطف وصور وأساليب بلاغية وغير هذا من العناصر اللغوية والفنية.. لهذا أنا لست ممن يعترفون بشيء اسمه قصيدة النثر.. هي مجرد نثر فني أو خواطر، لكنها ليست شعرا ولا قصائد.. أنصحكم بقراءة هذه الدروس المبسطة لتعلم موسيقى الشعر:

http://mhmdhmdy.blogspot.com/2013/02/blog-post_1516.html

 - والخبرة تأتي بقراءة الشعر وكتابته، وبتنوع الثقافة العامة في كل المجالات، لأنها تؤثر في المضمون والرؤية التي يقدمها الشاعر.

- أما التجربة فتصنعها مواقف الحياة، وتأثيرها في مشاعر الشاعر ورؤيته للحياة وفلسفته الخاصة.. لهذا مثلا أرى أن تميم البرغوثي شاعر فذ لأن تجربته فريدة كإنسان عاش مشردا بين فلسطين المحتلة ومصر التي لم تكن تعترف به كمصري رغم أن أمه مصرية.. وانظروا مثلا قصيدته "في القدس" التي أعدها من أروع ما قرأت في الشعر، وتظهر فيها كل جوانب الشعر التي تكلمت عنها هنا.. هذا نصها:

http://www.adab.com/modules.php?name=Sh3er&doWhat=shqas&qid=76853

وهذا هو إلقاؤه لها:

https://www.youtube.com/watch?v=tZTSLDVeH5M

من وجهة نظري لا توجد طريقة لكتابة قصيدة كهذه إلا بعيش تجربة كاملة كهذه (إضافة إلى ثقافته الواسعة).. وهذا يتضح عند مطالعة آلاف القصائد التي تكتب عن القدس على سبيل المجاملة أو الواجب، دون تجربة حقيقية.. فالمؤسف أن المعاناة هي نار الإبداع الحقيقيّ، لهذا فالشعر ليس متعة في أغلب الأحيان!.. مع ملاحظة أن المعاناة قد تنتج عن تجربة شعورية غير واقعية، نتيجة حس الشاعر الإنساني واتساع خياله.. بمعنى أنه ليس شرطا أن يموت للشاعر طفل في قصف ببراميل بشار ليتألم من هذه التجربة ألما حقيقيا يجعله يصنع قصيدة مبدعة.. لكن الشاعر الذي يعيش المعاناة الواقعية، وتتوفر له كل أدوات الشعر وخبراته، سيتفوق بالتأكيد في إحساسه وتعبيره عن شاعر يساويه في المكانة، لكنه يتخيل التجربة أو يتعاطف معها.

 

وفي النهاية، أحب أن أذكركم أن الشاعر نمط نفسي مختلف عن البشر العاديين، ويشعر بالحياة ويراها بمستوى آخر، قد يبدو للآخرين غريبا أو جنونيا أو مبالغا فيه في بعض الأحيان.. وإلا لو كان مثلهم لما تكلم غيرهم.. فالمسألة ليست تسلية أو مجرد نظم يحترف وكفى.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

صفحة الشاعر