المتابعون للمدونة

الأربعاء، 12 يونيو 2013

من وحي امتحان الثانوية العامة


من وحي امتحان الثانوية العامة

 

ورد في امتحان اللغة العربية للثانوية العامة سؤال عن جمع كلمة الوحي.. هذا ما يقوله لسان العرب:

"الوَحْيُ: الإِشارة والكتابة والرِّسالة والإِلْهام والكلام الخَفِيُّ وكلُّ ما أَلقيته إِلى غيرك. يقال: وحَيْتُ إِليه الكلامَ وأَوْحَيْتُ. ووَحَى وَحْياً وأَوْحَى أَيضاً أَي كتب؛ والوَحْيُ: المكتوب والكِتاب أَيضاً، وعلى ذلك جمعوا فقالوا وُحِيٌّ مثل حَلْيٍ وحُلِيٍّ؛ قال لبيد:

فمَدافِعُ الرَّيّانِ عُرِّيَ رَسْمُها

خَلَقاً، كما ضَمِنَ الوُحِيَّ سِلامُها"

واضح طبعا أن السؤال صعب والكلمة في صيغة الجمع "وُحيّ" نادرة الاستخدام ـ إن كانت تستخدم أصلا، ولكن واضح أيضا أن السؤال دفعني لفتح المعجم والقراءة فيه ومعرفة معلومات إضافية، وهذا هو غرض التعليم أصلا :)

إذن فالضجة التي حدثت بسبب هذا السؤال، تكشف أحد منابع الخل في منظومة التعليم المصري، وهو تقديس كتاب المدرسة وعدم وجود أي رغبة في معرفة أي شيء خارجه، وهو ما أدى بمصر إلى ما هي فيه الآن من كوارث وأزمات، بسبب عقليات محنطة تقدس الجهل، وتعتبره طريقة حياة، وتتمايز فيما بينها بمقياس أيهم أشد حفظا وتسميعا في الامتحانات، التي يضغط المجتمع كله سياسيا وإعلاميا ليجعلها أتفه وأتفه عاما بعد عام!

تحية مني لواضع هذا السؤال، فقد علمني شيئا.. وبالمناسبة: السؤال المعقد الذي لا يجيبه أحد لا تأثير له، فدرجته ستخصم من الجميع، وبالتالي لن يكون لها تأثير في التنسيق!

أنا من أشد مؤيدي الامتحانات التي تفرز الفروق الفردية بين الطلبة، وأنادي منذ سنوات بفتح الحد الأقصى لدرجة الامتحان، بمعنى أن يكون هناك حد أدنى للنجاح (50 درجة مثلا)، ولا توجد درجة نهائية، بحيث يحتوي الامتحان على أسئلة تقيس إلمام الطالب بكتاب المدرسة بدرجات مختلفة من الصعوبة، تزيد عن ضعف الحد الأدنى للنجاح، وأسئلة تقيس ذكاء الطالب وثقافته العامة في المادة موضوع الامتحان، فكل طالب الآن يستطيع أن يعرف أضعاف ما يحتويه كتاب المدرسة عبر الفضائيات والإنترنت، وبهذا يتمايز الطالب المجتهد المطلع المثقف الذكي من الطالب الخامل البليد حافظ كتاب المدرسة، وتصير الدروس الخصوصية عديمة الجدوى إلا للطالب ضعيف الفهم.. كما أن هذه الطريقة مفيدة لمن يحبون مواد معينة ويكرهون أخرى، إذ يمكنهم مذاكرة ما يكرهونه في حدود النجاح، وتعويض الدرجات بالساتزادة من المعرفة في المواد الأخرى التي يحبونها.

لكني أؤكد أيضا على أن الامتحان ليس هو الوسيلة الوحيدة ولا الأهم لتقييم الطلاب، لأن القدرات العملية والخبرات الحياتية أهم مليون مرة مما يكتبه الحافظ في ورقة إجابة.. لهذا يجب أن يكون شق من التقييم متعلقا بالمشاريع العملية والأبحاث المكتوبة، والمنتجات الطلابية المادية (كالاختراعات والصناعات اليدوية وما شابه) والمعنوية (مثل المواهب الفنية والأدبية وغيرها).. وكل هذا لا يمكن أن يحدث أصلا ما لم يتم خفض كثافة الفصول، وهذا لا يمكن أن يحدث أبدا بدون فرز التلاميذ مبكرا من نهاية المرحلة الابتدائية إلى نوعين مختلفين من التعليم:

-  تعليم أكاديمي عادي: لأصحاب المهارات الذهنية، يستمر عبر المرحلة الإعدادية ثم العليم الفني والثانوي.

-  تعليم حرفي: لأصحاب المهارات اليدوية الذين لا يملكون مهارات ذهنية كافية (ونعلم جيدا أنهم لا يجيدون القراءة والكتابة وتستمر المنظومة الحالية في دفعهم حتى يحصلوا على دبلوم وهمي!!).. وهذا النوع من التعليم يهتم بتدريبهم على حرفة، وإعطائهم المعارف المطلوبة لهذه الحرفة.. وإذا كان كل ما يعني الناس الآن هو الشهادات، فما أسهل أن تمنح الدولة للمتخرج من هذا التعليم شهادة دبلوم حرفي!

يبدو أنني أسهبت قليلا.. ولكن هذه عينة لما يمكن أن ينتجه سؤال صعب في الامتحان من بحث عن المعرفة، وتحليل للمشاكل، وابتكار للحلول.

 

هناك تعليق واحد:

  1. صلاح سكر مستشار لغة عربية12 يونيو 2013 في 11:20 م

    اتفق مع حضرتك فيما ذكرت فالطالب عندنا فى مصر غالبا لايريد ان يجهد ذهنه اويعمل عقله

    ردحذف

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

صفحة الشاعر