المتابعون للمدونة

الثلاثاء، 28 مايو 2013

عن استخدام الريح والرياح


عن استخدام الريح والرياح

 

في مناقشة ديواني "انتهاك حدود اللحظة" علق الشاعر أ. عبد القادر أمين على استخدامي للريح والرياح بطريقة معكوسة، فهو يرى أن الريح تختص بالعذاب والتدمير، والرياح تختص بالرحمة.

وأنا أختلف معه في هذا، فاستخدام الريح في القرآن الكريم في مواضع الإهلاك، يقترن في الغالب بوصفها بأوصاف أخرى تؤكد قوتها التدميرية مثل "أهلكناهم بريح صرير عاتية".. وإفراد الريح مع هذه الأوصاف يؤكد معنيين: أنها موحدة الاتجاه (لأنها ريح واحدة تهب في اتجاه واحد) وأنها تهب باستمرار وبدون تقطع (وإلا كانت جمعا، فلو تقطعت لصارت ريحا بعد ريح)، وهذا ما يجعل الريح المفردة مناسبة للعذاب المسلط المركز شديد التدمير.

بينما الرياح في صورة الجمع تحتمل تضارب الاتجاهات وتقطع فترات الهبوب.. وإن كان هذا لا ينفي عنها صفة التدمير أيضا كما يحدث في الزوابع والعواصف.

ومما يؤكد أن الريح تحمل معنى الرحمة والعذاب:

-  روى أبو داود عن أبي هريرة قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (الريح من روح اللّه تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب فإذا رأيتموها فلا تسبوها واسألوا اللّه خيرها واستعيذوا باللّه من شرها).

-  عن بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أرسل الله من نسمة من ريح إلا بمكيال ولا قطرة من ماء إلا بمكيال إلا يوم عاد ويوم نوح فإن الماء يوم نوح طغى على الخزان فلم يكن لهم عليه سبيل.. ثم قرأ: "إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية" والريح لما كان يوم عاد عتت على الخزان فلم يكن لهم عليها سبيل: ثم قرأ: "بريح صرصر عاتية").

-  أخرج البخاري ومسلم والترمذي في الشمائل والنسائي والبيهقي عن ابن عباس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة".

لهذا حينما أقول في قصيدة حكاية البحر: "والريح تمزج في ضفائر عمرها حلمي الوليد"، فلا يوجد أي شيء يجعل هذه الريح عاتية أو مدمرة، بل واضح من البيت أنها ريح البحر اللطيفة (المشهد على الشاطئ كما توضح الأبيات السابقة) وقدومها من البحر يعطيها وحدة الاتجاه واتصال الهبوب (في مدة تلك اللقطة التي يصورها البيت).

وحينما أتكلم عن الرياح في القصيدة التي تحمل اسمها والتي دمرت الرياح فيها العالم، فهذا مناسب لمدلول الرمز، فالرياح التي أتكلم عنها هي الأفكار التي تهب على العقل، وهي أفكار كثيرة ومتضاربة ومتصارعة، تعبر عن الصراع بين الواقع والمأمول، وتطرح أسئلة تحطم قناعات العقل، وتنسف العالم في صورته السائدة.

ومما يؤكد استخدام كلمة الرياح في مواضع العذاب:

أخرج ابن أبي شيبة والجندي في فضائل مكة عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "...... اللهم إني أعوذ بك من شر ما يلج في الليل، وشر ما يلج في النهار، وشر ما تهب به الرياح، شر بوائق الدهر"

فالمسألة ببساطة: إن هبت "ريح صرصر عاتية" مدمرة مرة أو استمرت يوما، فإن تكرارها بنفس قوتها التدميرية لكن بصورة متقطعة على عدة مرات أو عدة أيام يجعلها "رياحا" صرصرا عاتية.

فلا المفرد محتكر للعذاب، ولا الجمع محتكر للرحمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

صفحة الشاعر