المتابعون للمدونة

الأربعاء، 27 مارس 2013

ردي على مقال من فنون التثبيت


ردي على مقال د. أحمد خالد توفيق من فنون التثبيت:

اعذرني د. أحمد لو قلت لك إن مقالك نفسه هو نوع من التثبيت الفكري، فالدعوة إلى إسقاط رئيس شرعي منتخب (وهذا هو المعنى الصحيح والصريح والوحيد للدعوة إلى انتخابات مبكرة) هو نوع من البلطجة السياسية!!

ولو تذكر، فإن جورج بوش استغفل الأمريكان ونجح مرتين بواسطة الآلة الإعلامية الجهنمية التي تزيف الحقائق وتخفي حجم خسائر جيشه في العراق، ولكنه فقد شعبيته في أول فترته الثانية بعد إعصار كاترينا، الذي كشف ترهلا بشعا في أدائه، وعجزه عن توفير القوات الكافية للإجلاء والإخلاء قبل وبعد الكارثة، ولكنه رغم هذا استمر في مدة حكمه ـ وخسر حزبه الأغلبية التشريعية كالمتوقع ـ إلى أن أنهى حكمه بالأزمة المالية العالمية وعاقبه الشعب باختيار رئيس من الحزب الآخر.. هذه هي الديمقراطية التي يعرفها العالم، ولو أن كل رئيس أخطأ ترك منصبه، لانهارت كل دول العالم.

إجبار رئيس على الاستقالة وإجراء انتخابات مبكرة، أمر لا يمكن حدوثه إلا بثورة شعبية عارمة ضده، تجعل بقاءه مستحيلا، وأنت تعلم أن هذا ليس هو الحال.. لهذا لو أردت أن تكون صريحا، فعليك أن تكتب بوضوح إنك تدعو إلى ثورة ضد الرئيس مرسي.. وهذا يطرح سؤالا هاما أصلا: ما جدوى هذه الثورة، ما دمت تستطيع أن تعاقبه بالصندوق بعد عدة أشهر في انتخابات مجلس الشعب، التي ستليها بعد عدة أشهر انتخابات المحليات، التي ستليها بعد عدة أشهر انتخابات مجلس الشورى؟.. ولماذا تتجاهل دائما أن رئيس الجهورية في الدستور الجديد يتقاسم صلاحياته مع رئيس مجلس الوزراء، وأن هذا الأخير يتحكم في اختياره وبقائه وعزله مجلس النواب، الذي سننتخبه بعد شهرين؟

لماذا هذا الإصرار العجيب على هدم كل ما بنته الثورة باختيارات الشعب، وإهدار مليارات الجنيهات التي أنفقناها من دماء شعب يموت جوعا لكي ننتخب مجالس ورئاسة نسقطها كل عدة أشهر، ونتباكى بعدها على الاقتصاد المنهار؟

اسمح لي أن أقول لك مباشرة يا د. أحمد: أنت تحكم بهوى نفسك، وما تطالب به لا يطالب به إلا من وقفوا ضد مرسي في الانتخابات، وما زالوا عاجزين عن تخيل أن شعب مصر اختار رئيسا إسلاميا!

أيضا: ما أعلمه هو أن الانتخابات المبكرة لا تحدث بطريقة عادية إلا في الحكومات الائتلافية في النظم البرلمانية، حينما تنهار الحكومة بسبب انسحاب بعض عناصر الائتلاف، ويعجز البرلمان عن تشكيل حكومة جديدة، فيصير الحل الوحيد هو دعوة الرئيس لانتخابات برلمانية مبكرة.

أما الكلام عن دعوة كل معارضة لا يعجبها اختيار الأغلبية لإعادة الانتخابات الرئاسية، فمعناه هدم النظام الديمقراطي برمته، لأن هذه لعبة يسهل تكرارها مع كل رئيس، ولن يستمر أي رئيس لعدة أشهر بعد هذا.. أنت نفسك قلت هذا في مقالاتك سابقا: لن يعيش لنا رئيس!!

وللمرة الألف أقول: المشكلة في مصر ليست في الرئيس، بل في تهالك الدولة كلها، وهو وضع أسهب كل الكتاب المعارضين في شرحه قبل الثورة، وحذروا مبارك من تداعياته ولكنه كان قد فقد السمع والبصر والوعي.

وبالتالي، لا توجد مؤسسة واحدة في مصر قادرة على إصلاح هذه الأوضاع مهما اختلف الرئيس.. فالجيش أضعف من أن يسيطر على الدولة، والشرطة مكروهة من جميع الأطياف وتقاوَم الآن حتى من البلطجية، وأسهل شيء اليوم هو حرق أقسام الشرطة بالهجوم على عشرات منها في أماكن متفرقة على التزامن، فلا توجد قوة كافية لتأمين كل الأقسام معا في نفس الوقت، وبالتالي الشرطة تحتاج لمن يحميها أصلا، وفكرة أن تعود للحكم بالرعب فكرة ولّى زمنها.. قلت لك من قبل إن النظم يصنعها الولاء، وليس القمع، ووقت إن ينهار حاجز الخوف، لا يمكن بناؤه مرة أخرى.. والطريقة الوحيدة لاستعادة الأمن، هي شعور الناس بالانتماء للدولة وحبها للشرطة، وهو أمر مستحيل في ظل الكلاب المسعورة الموجودة حاليا في الشرطة.

وحل أزمات البلد الاقتصادية حاليا يبدو أمرا أسطوريا لأن أمريكا ودول أوروبا الآن يتسولون ويتقشفون، ولو أننا دولة مصنّعة ومصدرة أصلا لكانت هذه هي الفترة المثالية لإفلاسنا، فما بالك ونحن مفلسون منذ عقود؟!

فمن الذي سيغرف ويعطي لهذا الرئيس الموعود الذي سيأتي به الصندوق؟

ومن قال لك إن الصندوق لن يأتي بخيرت الشاطر أو بحازم أبي إسماعيل أو بطارق الزمر؟.. لماذا لا تتعلمون الدرس؟!.. شعوبنا لا تختار إلا حاكما عسكريا أو زعيما دينيا، لأن هذا هو تاريخنا منذ الفراعنة وحتى اليوم!

وهل سيؤمن من كفروا بالصندوق خمس مرات سابقة، به هكذا فجأة؟

مجددا أقول لك:

مرسي وجماعته وحكومته أكفأ من مروا على مصر منذ عقود.. وأنا منبهر بأدائهم الاقتصادي فوق ما تتخيل في ظل الظروف التي أوضحتها أعلاه، أما الوضع الأمني، فيحتاج أولا إلى تصفية الثورة المضادة، واحتواء الشرطة أو تصفيتها وإنشاء جهاز جديد من الإسلاميين بالكامل وبمساندة شعبية للتخلص من البلطجية.. هذه هي الطريقة التي تمضي بها الثورات قدما.. موضوع الصندوق هذا لن يفعل أكثر مما فعل حتى الآن: تناحر سياسي وتعطيل اتخاذ القرارات الحاسمة.. قلت لك منذ بداية الثورة إن الديمقراطية آلية معطلة مهمتها كبح الاستبداد بِغَلّ يد الحاكم، وقلت لك قبل الثورة إن الديمقراطية في دول العالم الثالث تؤدي إلى حروب أهلية، لأن الفريق المهزوم لا يرضى بالنتيجة أبدا.. أرجو مراجعة هذا المقال الذي نشرته بعد انتخابات 2010: لا للتزوير لا للديمقراطية.

تحياتي

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

صفحة الشاعر