المتابعون للمدونة

الثلاثاء، 22 يناير 2013

قواعد اللعبة

من رواية حائرة في الحب:

قالت رانيا:

-   هذه هي قواعدُ مجتمعِنا المريضِ يا (سماح).. الخطأُ فيه حقٌّ مُكْتسبٌ للرّجل، وجريمةٌ لا تُغْتفرُ للمرأة.. إنَّ المُجتمعَ لا يُعيّرُ المرأةَ بزوجِها الذي يخونُها، بل يُشفقُ عليها ويتضامنُ معها، ولكنّه يُعيّرُ الرّجلَ ويُذلُّه إذا خانتْه زوجتُه، مما يجْعلُ الرّجلَ حذرًا جدًّا في اخْتيارِ شريكةِ حياتِه، شديدَ الغَيْرةِ عليها، لا يسْمحُ لها بما يسْمحُ لنفْسِه من أخطاءٍ أو حرّيّات، خاصّةً أنَّ أيَّ شكٍّ في سلوكِها يجْعلُه يشكُّ في نَسبِ أولادِها: هل هم منه أم من غَيرِه!.. [وتنهدّتْ بحُرقة] ماذا سيظنُّ بي (رفيق) الآن؟.. أنا وأنتِ نعرفُه جيّدًا، ونعرفُ أنّه يُفضّلُ طرازًا معيّنًا من الفتياتِ يَمِلْنَ إلى الاحْترامِ ويلتزمْنَ العفاف.. ونعرفُ أنّه ـ رغمَ جاذبيّتِه ـ ازْورَّ عن مصادقةِ الكثيراتِ لأنّه لا يحْترمُهنّ.. [ونظرتْ إليَّ في اسْتنْجادٍ كأنّها تغرَق] هل يراني منهنّ الآن يا (سماح)؟.. هل سيغْفرُ لي رسوبي في أوّلِ اختبارٍ أمامَه؟.. هل سيظنُّ أنّني أفعلُ هذا مع كلِّ مَن يُخدّرُني بكلمتينِ ناعمتين؟.. ماذا سيظـنُّ بي يـا (سماح)؟.. ماذا؟

عقدْتُ حاجبيَّ وأنا أشردُ بعيدا.
يا إلهي!.. من أين أتتْ (رانيا) بكلِّ هذا التحليلِ الأسود؟
لمْ أكُنْ أعرفُ أنّها تُفكّرُ بكلِّ هذا العُمقِ المُخيف.
لا شكَّ أنّي كنتُ أعتقدُ أنَّ العَلاقةَ بينَ الرّجلِ والمرأةِ الآن، أيسرُ بكثيرٍ عمّا مضى.
هل كلُّ ما نالتْه المرأةُ اليومَ من حرّيّة، مجرّدُ مظاهرَ تافهة، وبعضُ اللهوِ في سنَّ اللهو، دونَ أنْ يُغيّرَ الرجلُ فكرتَه عنها مطْلقًا؟
ما زال يراها هي كما هي: جاريتَه التي لا يحقُّ لها أن تُفكّرَ في سواه، تَقْبلُ أخطاءَه، وتُقبّلُ قدَمَه كلّما واجهَها بنزواتِه، دونَ أن تجرُؤَ على الاعتراض.
وجدْتُ نفسي أتمتمُ مع هذه الأفكار:

-   ولكنّ هذا ظلم.. ظلم.

قالتْ في ندم:

-   أنا التي ظلمْتُ نفسي يا (سماح).. كنتُ أعرفُ كلَّ ذلك، وتبخّرَ من ذهني في لحظةٍ طائشة.. المرأةُ الآنَ تسيرُ على حبلٍ شائكٍ مُعلّقٍ فوقَ الجحيم.. ففي كلِّ لحظةٍ عليها أن تُثبتَ للرجلِ أنّها امرأةٌ عصريّة، تعرفُ آخرَ خطوطَ (الموضة)، وتُتْقنُ فنَّ (الاتيكيت)، وتُبهرُه بما تعرضُه أمامَ ناظريه من جسدِها، دونَ أن تبدوَ مُبْتذلةً أو رخيصة!.. وحينما يقعُ في حُبالتِها، ويحاولُ أن ينالَ المزيدَ من جمالِها الخفيّ، تسرعُ بالهروبِ منه والدّلال، حتَّى لا تفقدَ كرامتَها في نظرِه، وحتَّى لا يجدَ وسيلةً أخرى للحصولِ عليها غيرَ الزّواج.. [وابْتسمَتْ في سخرية] أتعلمينَ مثلا: أبي الذي يشتري لي آخرَ الفساتيـنِ على (الموضـة)، والتي تجعلُنـي مثيرةً جذّابـةً ككلِّ الفتيات (المودرن).. أبي هذا لو علمَ بما حدثَ اليومَ ـ وهو ما تَرَيْنَه أمرًا هيّنًا: مُجرّدَ عناقٍ هادئ ـ لتبرّأَ منّي إلى الأبد، أو ـ على أحسنِ الفروض ـ لضربني علقةً ساخنة، وقاطعني مدةً لا أعرفُ مداها.. إنه تناقضٌ بشعٌ يا (سماح)، ويجبُ أن نسيرَ فيه بمنتهى الحذرِ والذّكاء، حتَّى نصلَ إلى منطقةِ الأمان.

-   [بذهول]: يا للهول!.. هل كنتِ تصفينَ الجحيمَ للتوّ؟

-   بل هو واقعٌ يا (سماح).. إننا في مجتمعٍ متناقضٍ مشوّه، لا عاد شرّقيّا يُحافظُ على احتشامِ نسائِه، ولا صار غربيّا يمنحهنّ مُطلقَ حرّيتِهنّ.. في الغربِ مثلا يمكنُ أن تجدي امْرأةً تتحدّثُ عن طموحاتِها العمليّةِ في الحياة.. ولم لا؟.. إنّها تستطيعُ أن تعيشَ بلا زواجٍ لأيّ فترةٍ تشاء[1]، فهي تحصلُ على متعتِها الجسديّةِ بوسائلَ أخرى، لمْ يَعَدْ يعيبُها الغربُ في فسادِه الحاليِّ الشنيع.. وهي تستطيعُ أن تعيشَ مع رجلٍ سِفاحًا بلا زواجٍ كفترةِ اختبار، فتتزوّجَه لو راقها، أو تنفصلَ عنه في أيَّ وقتٍ إذا ملّتْه أو ساءتِ العلاقة.. إنّها حُرةٌ تمامًا، مسئولةٌ عن نفسِها كاملَ المسئوليّة.. أمّا هنا، فإنّ الفتاةَ لا تخرجُ من سيطرةِ أبيها إلا لتدخلَ في سيطرةِ زوجِها، وويلٌ لها لو عاشتْ عانسا أو أرملةً أو مطلّقة!.. [وابتسمَتْ هاكمةً] إنّ مشكلةَ المرأةِ منّا أنّها تحاربُ بكلِّ أسلحتِها، حتَّى تفوزَ بزوجٍ مناسبٍ، قبلَ أنْ يفوتَها القطارُ وتحملَ اللقبَ المُرعب: لقبَ "عانس".. وهي هنا محكومةٌ بقوالبِ المجتمع، فلا تستطيعُ مثلا حينما يأتي على بالِها الزّواج ـ ولا شيءَ يشغلُ بالَها إلا الزواج ـ أن تذهبَ إلى رجلٍ يروقُها وتقولَ: "أنتَ تعجبُني.. هل تقبلُ أن أتزوَّجَك؟".. لأنّها لو فعلَتْ ذلك فستضعُ نفسَها في خانةٍ حقيرة، وسيحذرُ منها رجلُها وقد يُسيءُ الظنَّ بها.. لذلك تلجأُ إلى اللفِّ والدوران.. تجعلُ من نفسِها ما يشْتهيهِ ويتمنّاه، وتحاولُ أن تجذبَه إليها بالنظراتِ الناعسةِ والبسْمةِ الخجلى، وتُشْعرَه في كلِّ لحظةٍ، أنّه هو الصّيّادُ الهُمامُ الذي يسعى إلى مطاردتِها والتغريرِ بها، وهي الفريسةُ المسكينةُ التي سقطَتْ صريعةَ هواه، ولكنّها تخافُ من أبيها والمجتمع، ولا يُمكنُ أن تسمحَ له بالتّمادي أكثرَ من هذا، فَيُهْرَعُ الصّيّادُ الشّجاعُ على الفورِ ليدخلَ القفصَ طواعيةً!.. إنها لعبةٌ معقّدةٌ يا (سماح) ولها قواعدُها، ويجبُ على كلٍّ منّا أن تُتْقِنَها، حتَّى لا يسحقَها المجتمعُ يومًا، أو تفقدَ فرصتَها في اختيارِ الرجلِ الذي تحبُّه، لأنّها تسرّعَتْ وأرادتِ اختصارَ الطريق، وتجاهلَتْ بعضَ قواعدِ اللُّعبة.

-   [في توتّر]: ولكنّها لعبةٌ سخيفةٌ يا (رانيا)، وتحوى الكثيرَ من الخداعِ والغشّ.

-   أنتِ تقولينَ هذا؟.. انظري إلى نفسكِ لتعرفي أنّكِ تُتقنينَ اللعبةَ بالفطرة.. ألم تجلسى ثلاثَ ساعاتٍ أمامَ المرآة، تحاولينَ إبرازَ كلِّ ما تستطيعينَ من مفاتِنِكِ لكي تُبْهري (إياد) اللَّيْـ...

ذكّرني كلامُها أنّ (إياد) ينْتظرُنا، فتلاشى كلُّ شيءٍ من ذهني، إلا أن أهتفَ أقاطعُها:

-   تبًّا لكِ أيّتُها المفعوصة.. أرأيتِ كيفَ أضعْتِ وقْتَنا؟

وجذبْتُها من يدِها بقوّة، مُسرعةً إلى (إياد).
إلى صيّادي.









[1]  من نتائج تأخّر سن الزواج للمرأة في (أمريكا) انتشار العقم، بسبب استخدام حبوب منع الحمل، وتخطّي الفترة المثلى للإنجاب (18 ـ 35).. لهذا تقول الإحصائيّات إنّ كلّ طفل أمريكي أبيض صحيح يولد، ينتظره 20 زوجًا وزوجة من أجل تبنّيه!

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

صفحة الشاعر