المتابعون للمدونة

الخميس، 13 ديسمبر 2012

الدستور الجديد يعطي دورا أكبر للنخبة والمتخصصين وأهل الحل والعقد


الدستور الجديد يعطي دورا أكبر للنخبة والمتخصصين وأهل الحل والعقد

 

قبل الثورة، نشرت على مدونتي مجموعة مقالات بعنوان يبدو صادما هو "لا للديمقراطية" واقترحت مجموعة من المقترحات لتطوير آليات الانتخاب والشورى لجعلها أقرب للنخبوية، دون إهدار دور المواطنين في التصويت وصناعة القرار كل في نطاقه.. وكان من أهم ما اقترحته في هذا، هو إعطاء كل النقابة حق تشريع القوانين التي تتعلق باختصاصها، واقترحت التمثيل النقابي بديلا للتمثيل النيابي:


كما اقترحت أيضا وضع شروط أدق لاختيار النواب، وكذلك وضع شروط أكثر صرامة فيمن يحق لهم حق الانتخاب:


وبعد الثورة، اتضحت لي أهمية المزج بين النظامين النيابي والنقابي، وأهمية وجود ممثلين سياسيين للشعب، بجوار ممثلين تخصصيين يمثلون المهن والقطاعات المختلفة، فاقترحت جعل مجلس الشعب مجلسا نيابيا يختص بالرقابة على الرئيس والحكومة وموازنة الدولة، وجعل مجلس الشورى مجلسا نقابيا يأتي أعضاؤه من النقابات والاتحادات والمجالس القومية المتخصصة والهيئات القضائية وأساتذة الجامعات والأزهر والكنيسة وغيرها، ويكون مسئولا عن تشريع القوانين، باعتبار أعضائه الأكثر علما وتخصصا:


وقد أرسلت هذه الفكرة إلى اللجنة الدستورية، كما أرسلتها إلى عدد من الكتاب ومنهم د. معتز بالله عبد الفتاح، وقد رأيته يتبناها في مشروع بيت الحكمة (مع اختلاف طفيف أنه اقترح انتخاب أعضاء مجلس الشورى في نقاباتهم وجامعاتهم ومؤسساتهم وليس انتخابا شعبيا مباشرا، بينما كنت أقترح أنا أخذ رؤساء هذه الهيئات كأعضاء في مجلس الشورى مباشرة).. كما رأيته يطرح هذه الفكرة على لجنة صياغة الدستور.. طبعا كلنا يعرف أن هذه الفكرة لم تطبق، لكن بقليل من التأمل سنرى أنها لم تهدر كلية، بل على العكس: قطع الدستور الجديد خطوات هامة نحو هذه الفكرة، وشكل بالفعل مجلسا ثالثا هو المجلس الاقتصادي الاجتماعي، أعضاؤه منتخبون من النقابات والاتحادات، بجوار تطويرات هامة في مجلس الشورى.. دعونا نتفحص هذا معا:

·  تشترط المادة 129 فيمن يترشح لعضوية مجلس الشورى أن يكون حاصلا على إحدى شهادات التعليم العالي على الأقل، وألا تقل سنه يوم فتح باب الترشح عن خمس وثلاثين سنة.. هذا تطوير جيد لنوعية أعضاء هذا المجلس، ففي السابق كان كثير من أعضائه من حملة الدبلومات الفنية وما هو أقل، ولم يكن هناك أي فارق واضح بينه وبين مجلس الشعب، مما كان يثير سؤالا هاما: لماذا يذهب نفس الناس لاختيار نفس نوعية الأعضاء لمجلسين مختلفين؟.. ما دام لا يوجد فارق جوهري، فقد كان إلغاء مجلس الشورى أفضل، ويمكن التعويض عنه بزيادة أعضاء مجلس الشعب.

لكننا الآن صعدنا درجة نحو تطوير مجلس الشورى، فجعلنا أعضاءه من حملة المؤهلات العليا على الأقل، وإني لأطمح أن يتم تعديل هذه المادة يوما ما لجعلهم من حملة الماجستير وربما الدكتوراه على الأقل.

·  كما أن مجلس الشورى يعمل لمدة 6 سنوات، ويتغير نصف أعضائه كل 3 سنوات.. هذا يعمل على استمرار تناقل الخبرات في هذا المجلس، حيث يضمن على الدوام أن يكون نصف عدد أعضائه على الأقل ممن يمتلكون خبرة 3 أعوام في ممارسة أعمال المجلس، على عكس مجلس النواب، الذي يمكن أن تأتي انتخاباته فجأة بأغلبية من الأعضاء جديدة وعديمة الخبرة تماما!

·  وتشترط المادة 102 مناقشة كل القوانين في مجلسي النواب والشورى، وموافقة المجلسين عليها معا، وهذا يضمن أن يأخذ كل قانون حقه من النقاش بين نوعيتين مختلفتين من الأعضاء.. فإذا حدث خلاف بين المجلسين حول أحد القوانين، تنص المادة 103 على تشكل لجنة من عشرين عضوا (10 من كل مجلس) لمناقشة القانون واقتراح صيغته، وتعرض على المجلسين، فإن استمر الخلاف، يرد الأمر إلى مجلس النواب لإقرار القانون بأغلبية أعضائه.. والحقيقة أنني كنت أفضل ألا يكون الحسم النهائي لمجلس النواب لأن مجلس الشورى مكون من الأعضاء الأعلى علما، لكن من رأوا عكس ذلك نظروا لمجلس النواب باعتباره الأكثر عددا!

·  ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد وسع الدستور دائرة الشورى خارج المجلسين، وألزمهما بأخذ رأي أهل الحل والعقد (المتخصصين) قبل إقرار أي قانون يخص فئة أو تخصصا معينا.. ومن ذلك:

1. تنص المادة 4 على أخذ رأي هيئة كبار علماء الأزهر في الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية.

2. تلزم المادة 146 رئيس الدولة بأخذ رأي مجلس الدفاع الوطني وموافقة مجلس النواب قبل إعلان حالة الحرب أو إرسال القوات للخارج.

3. تلزم المادة 148 رئيس الدولة بأخذ رأي مجلس الوزراء قبل إعلان حالة الطوارئ، ويجب عرض ذلك على مجلس النواب لإقراره في مدة أقصاها أسبوع.

4. تلزم المادة 200 الحكومة ومجلسي النواب والشورى بأخذ رأي الأجهزة والهيئات المستقلة في القوانين واللوائح التي تتعلق بمجال عملها.. هذه الأجهزة تشمل: المفوضية الوطنية لمكافحة الفساد، الجهاز المركزي للمحاسبات، البنك المركزي، المجلس الاقتصادي والاجتماعي، المفوضية الوطنية للانتخابات، الهيئة العليا لشئون الوقف، المجلس الوطني للتعليم والبحث العلمي، المجلس الوطني للإعلام، الهيئة الوطنية للصحافة والإعلام.

5. تعيد المادة 207 التأكيد خاصة على إلزام الحكومة ومجلسي النواب والشورى بأخذ رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي في السياسات ومشاريع القوانين المتعلقة بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.. هذا المجلس بمفرده يتكون من 150 عضوا على الأقل (مثل مجلس الشورى) تختارهم تنظيماتهم المنتخبة من نقابات واتحادات وجمعيات الفلاحين والعمال والمهنيين وغيرهم من فئات المجتمع، على ألا يقل تمثيل العمال والفلاحين عن خمسين بالمئة من أعضاء المجلس.. وهذا يعني أن هذا الدستور قد أنشأ مجلسا ثالثا منتخبا على درجتين، وهو نفس ما كنا نطالب بأن يكون عليه مجلس الشورى وتعذر تحقيقه.. وإن كان رأي هذا المجلس استشاريا، فيجب ألا نقلل من أهمية هذه الخطوة، فمن الممكن تطويرها مستقبلا وإسناد دور مجلس الشورى إلى هذا المجلس، أو على الأقل دمجهما معا.

ويكفينا الآن إضافة خبرة 150 عضوا نقابيا عند مناقشة القوانين، ولا تنسوا أن كل عضو منهم سيعود إلى نقابته ليناقش القوانين مع مجلس إدارتها وأعضائها، مما يعني أن القوانين ستناقش من خلال مئات وربما آلاف المتخصصين قبل أن تصدر، وهذا جزء لا بأس به مما طالبنا به.

 

لعلكم الآن تدركون لماذا أنا متفائل وسعيد بالدستور الجديد.. لقد بدأت تفنيد مساوئ وعيوب النظام الديمقراطي منذ حوالي عشر سنوات حينما لم يكن هناك أي أمل في التغيير يلوح في الأفق، وكتبت نواة مقترحاتي عن النظام النقابي في رواية "العالم الآخر" من سلسلة رفاق الخطر ونشرتها على أدباء دوت كوم عام 2007 لعلها تصير جزءا من وجدان فتى يتبناها ويستطيع تطبيقها يوما ما، وبعد انتخابات 2010 الكارثية، كتبت مقالاتي التي أرفض فيها النظام الديمقراطي بشكله العبثي السائد، ولم أكن في كل ذلك أحلم بأن أرى أي تغيير قريب، وربما لم أكن أحلم بأن أرى هذا التغيير في أي وقت في حياتي.

لكن الله سبحانه كتب لنا أن نعيش هذه الثورة، وأن نشارك في كتابة هذا الدستور، وأن نرى أجزاء من أحلامنا تتحقق.. فالحمد لله أولا وأخيرا.

لهذا أقول لكم: إنني الآن أشد إصرارا على أفكاري من أي وقت مضى، وأنني سأعمل على نشرها وإقناع الناس بها ـ مهما بدت غرابتها بالنسبة لهم ـ طالما أنا على قيد هذه الحياة ولم يمنعني مانع عن نشر أفكاري، وكلي ثقة بإذن الله أن الكلمة لا تموت، وأن الفكرة الجيدة تجد طريقها في النهاية، كالبذرة التي تنتظر المطر لتبدأ الحياة، مهما طالت عليها عصور الجفاف.

 

 

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

صفحة الشاعر