المتابعون للمدونة

الاثنين، 19 مارس 2012

أشياء لا يبددها الزمن (1/5)

أشياءُ لا يبدّدُها الزمن

(1/5)
عزيزتي (رباب):
مضت جروحٌ كثيرةٌ واعتادَ القلبُ الألم.
وعلى عكسِ ما تظنّين، لم تعُدْ حقيقةُ مرضي تُؤلمُني.
وما آلمتني، وما آخافني شبحُ الموتِ إلا من أجلِ (شريف).
أفزعتْني فكرةُ أن يفقدَني أنا أيضًا، وأنا آخرُ من له في الدنيا بعدَ رحيلِ والدينا.
وهو مرهفُ الحسّ، ما زلتِ تلمَسينَ الحزنَ في عينيه، حتى وهو يبتسم.
تصدّقين: إنّني أعتبرُه ابني أكثرَ من كونِه أخي الذي يصغرُني بعامين؟!
وباستثناءِ صداقتِك، فإنَّ عالمي كلَّه يدورُ حولَه.
عامّةً أنا لستُ متشائمةً كما ظننتِ من خطاباتي السابقة.
كلُّ ما هنالكِ أنّي أردتُ أن أشكوَ إليكِ بثّي وهمّي، فكأنّما أغسلُ منهما روحي.
آسفةٌ أنّي أحمّـلُكِ همومي، فبخلافِ أنّي أحاولُ أن أكظمَها، مبديةً التجّـلدَ أمامَ (شريف) ـ وهو عبءٌ أعيذُكِ أن تعرفي ما أثقلَه ـ فأنا أيضًا أرتاحُ لحكمتِك التي تفوقُ عمرَكِ بكثير، وأرى في كلماتِكِ ما ينيرُ بصيرتي.. إنّني حقًّا أحتاجُ إلى مشورتِكِ، وأنا التي أكبرُكِ بثلاثةِ أعوام.
عامّةً، لم أعدْ أجدُ الوقتَ الكافيَ لتستأثرَ بي همومي، فمـع اقتـرابِ الامتحانان، صارتِ المذاكرةُ تشغلُ كلَّ وقتي، حتّى لقد صرتُ أكتفي بقليلٍ من الدموعِ، قبلَ أن يُسلمَني إرهاقي إلى راحةِ النوم.
لا أدري إن كانَ المستقبلُ سيمتدُّ أمامي، ولكنّي أودُّ أن أُحرزَ مجموعًا عاليًا في الثانويّةِ العامّةِ.
على الأقلِّ حتى أُدخلَ السرورَ على قلبِ (شريف).
أنتِ أيضًا يجبُ أن تعتني بمذاكرتِك، فإنَّ عقلَكِ النيّرَ يُنبئُ بمستقبلٍ واعد.
اكتبي لي أنّى استطعتِ.
(عزة)
***
عزيزتي (رباب):
أسعدتْني جدًا هديّتُكِ التي أرسلتِها بمناسبةِ نجـاحي في الثانويّةِ العـامّة.. ولولا بهجةٌ لمعتْ في عينيْ (شريف) لاعتبرتُها أجملَ ما تلقيت.
وصلتْني صورتُك.. لكم نضجتِ في عامٍ واحد، وازدادَ حسنُكِ إبهارًا.. حفظكِ الله.
أمّا بالنسبةِ لصورتي، فأعتقدُ أنّي في غنىً عن الاعتـذارِ، وليتَكِ تُعفينني من اللائمة.
إنَّ الزمنَ يتسرّبُ من ملامحي، ويحتلُّها الشحوبُ في اطّراد، ناهيكِ عن الحزنِ الذي حمّلني عمرًا لم أعشْه.. لن أعيشَه!
يمكنُكِ الاكتفاءُ بصوري القديمة.
ومن يدري.. ربّما استطعنا التلاقي يومًا ما.
أمّا بالنسبةِ للكلّيّة، فقد قرّ عزمي على دخولِ كلّيّةِ الآداب.
أسعدني ما ذكرتِ عن تعميقِ قراءاتِكِ في فتـرةِ الإجازة، وعن تعلّمكِ للخطوطِ العربيّة.
رجاءً لا تَنسَيْ إجادةَ الطهيِ والعنايةِ بالمنزل، حتّى تكتملَ أركانُ شخصيّتِكِ، ما بينَ الجمالِ والأخلاقِ والثقافةِ والمهارة.
لك مني أجملُ المنى.
(عزة)
***
عزيزتي (رباب):
ما زلتِ تُلحّينَ في التساؤلِ عن حياةِ الجامعةِ.
إنّها ليستْ أسرارًا عسكريّةً حتّى أخفيَها عنكِ!
وباستثناءِ صداقتي لـ (هبة) وقد حكيتُ لك عنها، لم يطرأْ شيء.
أعرفُ أنّكِ ستتهمينني بالكـذبِ حالَ قراءتِكِ للجملةِ السابقة، فما زالَ المكرُ يطلُّ من خطاباتِكِ كلّما سألتِني عن (إيهاب).
قلتُ لكِ مرارًا إنّه لا يشغلُ تفكيري.
صحيحٌ أنّه وسيم، وأنّه متعدّدُ المواهبِ والأنشطة، وليس تافهًا كمعظمِ الشباب.
وصحيحٌ أنّه يهتمُّ بي، وأنَّ فتياتِ الدفعةِ يحسدنني لذلك.
ولكن..!
إنَّ في عينيه أجملَ معاني الربيع، وابتسامتَه غدٌ، وحماسَه طموحٌ لا يعرفُ الكلل.
كيفَ يمكنُ إذن أن تحتضنَ عينيه، عينانِ يسكنُهما الخـريف، وابتسامتَه قلبٌ لا ينتظرُ الغد، وحماسَه ألمٌ لا طموحَ له؟
سأعترفُ لكِ للمرّةِ الأولى أنّي انجذبتُ إليه.
ولكنَّ ذلكِ ملأني بالمزيدِ من الحزنِ!
لا أعرفُ ما الذي يُمكنُ أن يراه في ملامحي الشاحبة، وجسدي الهزيل، وأيّامي التي تتناثرُ في ريحِ الخريف.
آسفةٌ أنّي لا أستطيعُ إكمالَ الكتابة.
أشعرُ أنَّ الحـزنَ سيخنقُني.
ليتَه يبتعدُ عنّي بدلا من أن يَزيدَني ألمًا على ألم.
في انتظارِ كلماتِك.
(عزّة)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

صفحة الشاعر