المتابعون للمدونة

الجمعة، 23 مارس 2012

أشياء لا يبددها الزمن (3/5)

(3/5)

طوتْ (ربابُ) تلك الرسـائلَ، وتراجعتْ في مقعدِها في الطائرةِ التي تُقلُّها إلى (القاهرة) وهي تبتسم في سعادة.
أخيرًا ها هي ذي في طريقِها لتقابلَ صديقتَها العزيزةَ (عزة)، التي عاشتْ معها أفراحَها وأحزانَها عبرَ الورقِ لسنواتٍ عديدة.
انتهزت فرصةَ قدومِ والدِها إلى (القاهرةِ) لقضاءِ بعـضِ أعمـالِه التجـاريّةِ، وأصرّتْ أن ترافقَه.
بالتأكـيدِ سيكونُ أسبوعًا مميّزًا، ترافقُها فيه (عزّة) ليشاهدا معـالمَ (القاهرةِ) الشهيرة.
لكم عانتْ (عزة)!.. ولكم آلمتها معاناتُها!
فليكنْ أسبوعًا بهيجًا إذن، تُنسيها فيه الآلام.
***
أدهشها أكثرَ ممّا أحبطَها أنَّ (عزةَ) لم تكُنْ في استقبالِها في المطار.
وعندَما وصلتْ وأباها الفندقَ، وجدتْ في انتظارِها رسالةَ اعتذارٍ منها، تطلبُ فيها أن تقابلَها في اليومِ التالي أمامَ برجِ الجزيرة.
***
أزاحتْ عيناها الوجوهَ في لهفةٍ وهي تبحثُ عنها.
خافتْ أن يكونَ الزمـنُ قد غيّرَ ملامحَها كثيرًا، خاصّةً أنَّ أحدثَ صورةٍ تمتلكُها لـ (عزّةَ) مضى على التقاطِها أربعُ سنوات!
ثمَّ توقفتْ عيناها عندَ شابٍّ يقتربُ منها، لم تدرِ لمَ بدتْ لها ملامحُه مألوفة.
توقّفَ الشابُّ أمامَها، وصمتَ لحظةً، قبلَ أن يمدَّ إليها صورةً كانت في يدِه.
التقطتِ الصورةَ في تهيّبٍ، وألقتْ عليها نظراتِها.. ولدهشتِها كانت صورتَها هي!
رفعتْ إليه عينين متسائلتينِ، فتمتم:
-     (شريف).
خفقَ قلبُها بقلقٍ وهمهمت:
-     أينَ (عزة)؟
غمرَ الحزنُ عينيه لحظةً، قبل أن يقول:
-     لنجلسْ أولا في مكانٍ مناسب.
***
لم تدرِ حتّى أينَ هما.. فقط بمجرّدِ أن جلسا ابتدرتْه:
-  أين (عزة)؟.. لماذا لم تأتِ معك؟.. هل أصابها مكروه؟
لم يُحُرْ جوابًا.. ولكن قرونًا من الحزنِ عربدَتْ في عينيه، لدرجةِ أنَّ قلبَها قد انقبضَ، وهي تسألَه بتهيّب:
-     لماذا لا تجيب؟.. ماذا حدث؟
أخرجَ ورقةً مطويّةً من جيبِه، قدّمها إليها بأصابعَ مرتجفةٍ، وهو يقولُ بصوتٍ مخنوق:
-     هذه رسالةٌ منها إليك.
فضّتِ الورقةَ بتوتّر، وقرأت:
-     عزيزتي رباب.. لكم تمنّيتُ أن نتلاقى على أرضِ الواقع، ولكن يبدو أن الأجلَ لن يسعفَني.
كانتِ الدموعُ تتراقصُ في عينيها، حتّى لم تعدْ تستطيعُ تمييزَ الكلماتِ المكتوبة.
ولثوانٍ رانَ صمتٌ ثقيلٌ، وخيطانِ من الدمعِ يسيلانِ من عينيها، قبلَ أن تسألَه:
-  متى حدثَ هذا؟
-  [تردّد لحظة]: منذُ عامٍ تقريبًا.
-  [توقّفتِ الدمـوعُ في عينيها، ونظـرتْ إليه غيرَ مصـدّقة]: هذا.. هذا مستحيل.. إنّ آخرَ رسالةٍ وصلتْني منها لم يمضِ عليها.....
أنا الذي كتبَ هذه الرسائل.
-  [نظرتْ إليه بدهشةٍ لم تلبثْ أن تحوّلتْ إلى غضب]: أنت؟
-  [بخفوتٍ متهيّب]: أجل.
انفجرتْ تهتفُ من بينِ دموعِها:
ومن الذي منحكَ الحقَّ لتخدعني بمثلِ هذه الطريقة؟.. لماذا لم تخبرني في حينِها؟.. لماذا حرمتني من أن أحضرَ لوداعِها.. من أن أراها ولو لمرّة؟.. لماذا؟.. لماذا؟
ودفنت وجهَها بينَ كفّيها، وانخرطتْ في البكاءِ بحـرقة، بينما سالَ الدمعُ من عينيْ (شريف) في صمت.
ولم يَدْرِ أحدُهما كم مرَّ على ذلك، قبلَ أن ترفعَ (رباب) وجهَها إليه، وتقولَ بحزم:
-     سأقابلُكَ غدًا في مثلِ هذا الموعد.. أحضرْ معكَ كلَّ خطاباتي، فليس من حقّكِ الاحتفاظُ بأسراري وخصوصيّاتي.
ودونَ أن تنتظرَ إجابتَه، نهضتْ في حدّة، وغادرتِ المكانَ بخطواتٍ سريعة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

صفحة الشاعر