المتابعون للمدونة

السبت، 4 فبراير 2012

مذبحة بورسعيد.. دروس وعبر (1)

مذبحة بورسعيد.. دروس وعبر
حتى لا تضيع أرواح ضحايانا هدرا
(1)
دخول الملعب ليس كالخروج منه!!
(حريق المسرح، ومذبحة الملعب!!)
(أبواب القاعات يجب أن تفتح للخارج.. وبوابات الملاعب يجب أن تكون الكترونية)

للأسف الشديد، ما زال المجتمع المصري بعيدا كل البعد عن الطريقة العلمية في التفكير.. فبدلا من أن نحاسب أنفسنا على أخطائنا لنتعلم منها فيما بعد، أو نتخذ خطوات بناءة لتقليل الخسائر، انشغلنا كالعادة بالصراخ وتوزيع الاتهامات، وتقديم المزيد من الضحايا بالهجوم على وزارة الداخلية ومديريات الأمن!!
لهذا، سأحاول هنا أن أركز على بعض النقاط الهامة، التي ربما غفل عنها الكثيرون في ذروة انفعالهم.
***
في الخامس من سبتمبر عام 2005، شب حريق هائل في مسرح قصر ثقافة بني سويف، راح ضحيته عدد كبير من مسئولي وزارة الثقافة والنقاد والمسرحيين والمشاهدين.. وكان معظم القتلى بسبب الموت انسحاقا واختناقا عند التدافع للخروج من الباب بعد بدء الحريق.. وأذكر جيدا ما ذكره أحد أساتذة الهندسة في ذلك الحين، من أن مواصفات الأمن الهندسية السليمة التي يجب مراعاتها عند إنشاء القاعات التي تضم أعدادا كبيرة، هي أن تفتح جميع الأبواب إلى الخارج لا إلى الداخل.. فعند وقوع أي حريق أو زلزال أو أي سبب يدعو للفزع بين الحشود الكبيرة، يحدث تدافع همجي نحو الباب لينجو كل منهم بنفسه، وفي هذه الحالة لا يجد أحد الفرصة لفتح الباب للداخل بسبب من يدفعونه من الخلف، وتكون النتيجة الحتمية هي انسحاق عدد كبير منهم على الباب المغلق وموتهم اختناقا، قبل حتى أن يلتهمهم الحريق أو ينهار عليهم المبنى!!
تذكرت كلّ هذا الآن لأن لجنة تقصي الحقائق كشفت اليوم عن وجود لحام في بعض الأبواب المعدنية الخاصة بمدرجات ملعب بورسعيد.. والحقيقة أن مدير أمن بورسعيد المقال، قال في اتصاله أمس ببرنامج "الحقيقة" مع وائل الإبراشي، إنه تفقد الملعب قبل المباراة بأسبوع، فوجد بعض الثغرات الأمنية، فأمر بلحام بعض البوابات، وإغلاق بعضها الآخر بالأقفال.
وتتضح هنا المفارقة الساخرة المميتة: فسعادة مدير الأمن ينحصر لديه مفهوم الأمن في ألا يدخل أحد إلى الملعب إلا تحت سيطرته.. ولكنه لم يضع احتمالا واحدا لحدوث أي كارثة تدفع الناس لمحاولة الخروج من الملعب بسرعة، وأن الأبواب التي قام بلحامها (لتأمينهم) ستكون سببا رئيسيا في سحقهم وموتهم خنقا في ميتة بشعة أعاذنا الله منها، خاصة مع القرار العبقري الآخر بإطفاء الأنوار، ظنا أن الظلام سيوقف الشجار، دون أن يتخيل من فعل هذا ولو للحظة، أنه سيجعل الناس وهم يندفعون في ذعر أعمى يدوسون بعضهم ويدفعون بعضهم للسقوط من فوق أسوار المدرج!!
كل هذا يعني بوضوح أن الأجهزة الأمنية لا تدرب مسئوليها جيدا على دراسة الاحتمالات وتوقع أسوأ الظروف وامتلاك مهارات إدارة الكوارث.. لقد كانوا فقط يجيدون التعذيب لانتزاع الاعترافات، وقتل من يعارضون النظام كأنهم كلاب ضالة بلا دية، والجلوس خلف مكاتبهم لتحرير المحاضر دون أن يجهدوا أنفسهم حقيقةً لحماية الناس!!
من مثل هذا الدرس القاتل، يجب أن نتعلم ما يأتي:
1- بغض النظر عن وجود تواطؤ أو تقصير من عدمه، الدرس الذي يجب أن تتعلمه الداخلية وكل مؤسسات الدولة، هو إيكال الأمر إلى أهله، وتعيين المسئولين في المناصب بناء على سيرة ذاتية حافلة بالمؤهلات العلمية والخبرات العملية وتاريخ من الإنجازات.
2- يجب تشكيل هيئة لإدارة الكوارث والأزمات في وزارة الداخلية (وإن كانت موجودة، فيجب أن يعاد هيكلتها وتطويرها).. مهمة هذه الهيئة هي الاستعانة بالخبراء في كل التخصصات لدراسة كل الكوارث التي حدثت في مصر في نصف القرن الماضي من شغب وحرائق وسيول وزلازل وانهيار للمباني وغرق للسفن والعبارات وحوادث للقطارات وغيرها، من واقع التحقيقات الجنائية والصحفية والمقابلات الإعلامية، وذلك للوقوف على أوجه التقصير في تلك الحوادث، والأسباب التي ساعدت على تأخر وصول النجدة وزيادة أعداد الضحايا، ومعرفة التصرفات التي لو كانت قد اتخذت قبل هذه الكوارث لقللت من خسائرها، وتوضع نتائج هذه الدراسات في شكل خبرات وتعليمات تدرس في مناهج طلاب كلية الشرطة، وتلقن لضباط الشرطة والدفاع المدني في دورات تدريبية، كما تتولى هذه الهيئة مهمة الأمن الوقائي، بالتفتيش على كل المؤسسات والمباني والأماكن المعرّضة لمثل هذه الأخطار، للتأكد من تلافي أخطاء الماضي، وأولها التأكد من أن جميع أبواب المسارح وقاعات المؤتمرات والمحاضرات ومدرجات الملاعب تفتح إلى الخارج (لأني أظن أن شيئا لم يتغير حتى الآن منذ كارثة مسرح بني سويف، فمن الواضح أننا نملك ذاكرة الذباب ولا نتعلم أبدا!!).. ولو حدث هذا، فلن نفاجأ مرة أخرى بمدير أمن جاهل غبي لم يسمع في حياته عن حريق مسرح بني سويف، تَهديه عقليته الفذة إلى لحام أبواب مدرجات الملاعب ليموت الناس سحقا تحت النعال!!
3- يجب التخلص من كل البوابات الحديدية الموجودة حاليا في الملاعب، فقد ثبت أن من السهل تحطيم أقفالها (أو قيام الأغبياء بلحامها على سبيل التأمين!!)، وبدلا من هذا يتم تركيب أبواب الكترونية حديثة تخضع للتحكم المركزي (ولا يقل لي أحد إن هذا مكلف.. ملاعب كرة القدم تكسب الملايين في المباراة الواحدة.. كما أن حياة الناس أغلى).. هذا سيجعل من السهل في حالات الفزع والكوارث فتح جميع البوابات الالكترونية في ثانية واحدة بضغطة زر.. وبهذا لا يضطر شخص جاهل غبي إلى إطفاء الأنوار ليدوس الناس بعضهم في الظلام، ظنا منه أن هذه هي الوسيلة الوحيدة للسيطرة على الموقف!!
أرجو أن توصلوا هذه المقترحات إلى من يعنيه الأمر.
محمد حمدي غانم
4/2/2012



هناك تعليق واحد:

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

صفحة الشاعر