المتابعون للمدونة

الاثنين، 28 مارس 2011

حينما التقينا

حينما التقينا

لحظة أن نظرت عن كثب في عينيها، فتهت في عالم من السحر، وشعرت بشعور لم أعش مثله في حياتي كلها قبلها، ولم يتكرر مطلقا بعدها، لهذا أظنني لم أقترب حتى من وصفه بكل ما كتبته في هذه القصيدة، فأنا لا أعرف له مثيلا لأقيس عليه.

مُتجمّدٌ.. هي لحظةٌ، قبلَ ارتجافِ دفوفِ قلبي بالنغمْ
متهيبٌ، تتخاطفُ الأحلامُ رُوحي حائما حولَ القِمَمْ
وعلى رُبى عينيكِ يمرحُ زهرُ أشواقي، ألملمُهُ، وَلَمْ..!
تسمو فراشاتُ المشاعرِ، تَنشرُ الخَفَقاتِ في ضوءِ الحُلُمْ
تتشربُ الرشفاتِ من سحرٍ رقيقٍ في مُحَيَّاكِ ابتسمْ
حينَ انتزعتُ حروفَ لَحنِكِ من شراييني وأطلقتُ النداءْ
وتفتّحَتْ لي مُقلتاكِ على حياءٍ صاغَ آفاقَ النقاءْ
هامَ الخيالُ يبعثرُ الألحانَ في رُوحي ويبتكرُ الغناءْ
هي لحظةٌ، ما عدتُ فيها أُمسِكُ النبضاتِ أن ترقى السماءْ
تتلاحقُ الأنفاسُ في صدري مُحمّلةً بآهاتِ الرجاءْ
تتقاذفُ الأطيافُ عقلي، ذاهلا، متذوقا خمرَ اللقاءْ
أحقيقةٌ أرنو إليكِ، وليس يفصلُنا سوى نورِ الخجلْ؟
أتلقفُ الأنفاسَ من رئتيكِ، يُلهب خَفقُها العَذْبُ الوَجَلْ
والشهدُ من شَفتيكِ في سُؤْلِ جرى، فأكادُ أرتشفُ الجُمَـلْ:
"قُلْ ما بدا لكَ.. ما دهاكَ الآنَ تصمتُ؟.. قُلْ فإنّي في عَجَلْ"
وأودُّ، لكنْ تَهرُبُ الكلماتُ منّي، واللسانُ كما الجَبَلَ!
أنسيتُ كيفَ أجيبُ؟.. ضاعَ كلُّ ما أعددتُ، وانْعدمَ البَدَلْ؟
وغرِقتُ في دوّامةٍ تمتصُّني لعوالمِ الوجدِ الجَلَلْ؟
تجتاحُ عيناكِ المَدَى، والصمتُ ثرثرةٌ، صَدَى ما بي اعتملْ
هي لحظةٌ.. تتشكّلُ الدنيا بجوفي ليسَ يعدِلُها مَثَـلْ
هذا أنا حقلُ المُنى، وجمالُكِ المنسابُ بي نَبْعُ الغَزَلْ
والحُبُّ ساقيتي، وقربُكِ كازدهارِ النورِ في غصنِ الأمَلْ
والصمتُ عُشُّ عُيونِنا، والقلبُ يهدلُ مُرسلا أحلى القُبَلْ
والعقلُ يسألُ حائرا: حُلمٌ هو الحلمُ البديعُ أم اكتملْ؟
متجمدٌ: هي لحظةٌ.. وتكررينَ القولَ أنْ: "ماذا تريدْ"؟
وأفيقُ كي تجتاحَ عيناكِ النُّهَى، فأعودَ أغرَقُ من جديدْ
تتلعثمُ النبضاتُ في قلبي وتنكسرُ الحروفُ على النشيدْ
"هل تقبلينَ هديّـتي؟".. لم أدرِ هل قد قلتُها وأنا أَميدْ
أم أنَّ وجدي شَفَّنِي فَشَففتُ عن أعماقِ وجداني البعيدْ
(هل تقبلي هل تقبلينَ هديتي دِي دِيَّتي) وَصدَىً شريدْ
تتكثّفُ الأحلامُ في ذاتي وتمتزجُ الرُؤَى ويُقامُ عيدْ
"نعمْ".. لو قلتِها!.. يا فرحَ قلبي وانطلاقي في سَما الكونِ السعيدْ
تتطايرُ البهجاتُ منِّي، تصبحُ اللحظاتُ كالعمرِ المديدْ
أتملّكُ الدنيا لأني قربَ فاتنةٍ لها حسنٌ فريدْ
قَسَماتُها سحرٌ، ونظرةُ عينِها ليلٌ حَوَى فجرا وليدْ
ولروحِها مَرَحُ النسيمِ وخفقةُ الأزهارِ فيه، ولا أزيدْ
كم ألفِ بيتٍ ترقصُ الكلماتُ فيه أرادها، فهوى شهيدْ
متفائلٌ، مترنمٌ، والقلبُ خفّاقُ الجوانحِ في انتظارْ
أتخطّفُ النظراتِ من عينيكِ: هل تجري ينابيعُ النهارْ؟
هل يُزهرُ الردُّ الذي يُؤوي ارتعاشَ القلبِ في دِفءِ المدارْ
متسائلٌ.. هي لحظةٌ، ويفاجئُ الأوهامَ أن الجُرفَ هَارْ
وغَشاوةُ الحُلمِ انجلتْ، ورأيتُ أشباحَ الأماني في فرارْ
وحملتُ جثمانَ الثواني كالجبالِ، وسرتُ في زمنِ انهيارْ
وأكذّبُ الأذنينِ: قالتْ لا؟.. أقامتْ بينَ قلبينا الجدارْ؟
دهستْ براعمَ أمنياتٍ شقَّتِ اللحظاتِ لَهْـفَى لازدهارْ؟
وأكذبُ اللحظاتِ: لا.. ليسَ الذي أحسوه أشواكا ونارْ
ليس الذي صارَ الرمادَ نشيدُ قلبٍ كانَ دُرِّيَّ المنارْ
ليسَ الذي... ليسَ الذي... كلَّ الصروحِ أناخَها شَرْخُ الدمارْ
أدِّي طقوسَكِ حولَ عيني يا خفافيشَ التردِّي والألَمْ
دُوري متاهاتِ ارتياعي واهنئي بالليلِ في أرضِ العَدَمْ
هي ذي أميرةُ أمنياتي تأمرُ الجلادَ يأتي بالحُِمَمْ
رفضَتْ تراتيلي، فزارَ الحزنُ قلبي مُؤلِما ثمَّ التحمْ
رفضَتْ برفقٍ، لستُ أشكو ظلَمها، لكنْ يُمزّقُني النَّدَمْ
لو كنتُ عِشتُ مع الأماني كاتما شوقي وأخفيتُ النغمْ
ودفنتُ جثمانَ الحقيقةِ في ثَرَى التهويمِ في دنيا الحُلُمْ
تتضرعُ الأشواقُ أن أدنو لأنهلَ مِن شذا العينينِ ثمّْ...
تعدو مخايلُ حبِّها في ظاهري، فأظلُّ أُلجمُها ولمْ...
لو كنتُ خِفتُ على رُبَى الأحلامِ ـ مَسرَى الرُّوحِ ـ يبلعُها العَدمْ
ما كنتِ زلزلتِ المنى في لحظةٍ بالرفضِ كي تهوي القدمْ
لو ذابَ قلبُكِ مثلَ قلبي، ذائقا لذْعَ الأماني واحترقْ
لو تعرفينَ عذابَ حُلمٍ طافَ ساقيةَ الثواني والأَرَقْ
لو عشتِ في ليلِ الفراقِ تُمزّقينَ الرُّوحَ آلافَ المِزَقْ
ما كانَ طاوعَكِ الهَوَى أن تكسري المجدافَ في بحرِ الغَرَقْ
أن تُحرقي ريشاتِ طيرٍ هامَ ينسجُ من مُحيَّاكِ الأُفُقْ
ما كنتِ أخرستِ الأناشيدَ التي تَنثالُ من قلبٍ خَفَقْ
ووقفتُ مذهولا وريحُ اليأسِ تُعمي بالغماماتِ الشَّفَقْ
وعلى مُحيايَ ارتمتْ بسماتُ بؤسٍ كالحاتٍ كالخِرَقْ!
إن الذي يبقى من الإنسانِ بعدَ الحُلْمِ صرحٌ من ورقْ
هيَ لحظةٌ في موتِنا، وتمزّقينَ الوقتَ حتى نفترقْ
والعينُ تستجدي خطاكِ، فتبعدينَ وتبعدينَ وأحترقْ
وأظلُّ مأسورَ المكانِ كأنني في أرضِ يأسي مُلتصقْ
متفجرٌ وألملمُ الآلامَ في صمتي وحزني قد نطقْ
فإذا مضيتُ، أخبّئُ الدمعاتِ في عيني فتنتحبُ الطُّرُقْ
تتبخّرُ الخُطواتُ في نارِ انتحاري، ثم يبلعُني الأُفُقْ
يا ويلَ من ربطَ الأماني كلَّها في رمشِ فاتنةٍ عَشِقْ!
محمد حمدي غانم،
يناير 1997

ملحوظة:
النصف الأخير من هذه القصيدة كتبته في ظروف عجيبة ـ ربما تبرر لماذا انقلب إلى التشاؤم!.. ففي تلك الليلة الرمضانية جافاني النوم في المدينة الجامعية، فظللت ساهرا طوال الليل، ثم خرجت قبل الفجر لأستقل القطار من القاهرة إلى دمياط.. في هذا الموعد يمر القطار على الزقازيق بدلا من طنطا، وهو مسار أطول، لكن الأسوأ أنه في المسافة من بنها إلى الزقازيق يتحول من قطار سريع إلى قطار قشاش يتوقف لكل من يشير له!!.. لكن هذه لم تكن كل مزاياه في ذلك اليوم، فقد تعطل في منتصف الطريق أيضا وظللنا ساعات ننتظر الجرار الذي سيقطره إلى المحطة.. ونظرا لأن ما تبقى معي من نقود حينها لم يكن يكفي لاستقلال وسيلة مواصلات أخرى ـ ناهيكم عن أنني لم أكن أعرف أين أنا أصلا ـ فقد أمضيت في القطار يوما شيقا للغاية صائما مسافرا وبدون نوم، وأخذت أمضي الوقت في قراءة رواية من سلسلة (ع×2) دون أن أفقه ماذا أقرأ، كما كتبت النصف الأخير لهذه القصيدة دون أن أفقه ماذا أكتب J.
الغريب أن هذا النصف يعتبر استشرافا لما حدث بعد ذلك، ولهذا يمكن اعتبار كل القصيدة واقعية بغض النظر عن اختلاف بعض التفاصيل J
الجدير بالذكر أنني خرجت من المدينة الجامعية قبل الفجر، ووصلت البيت في الثانية والنصف بعد الظهر، في رحلة استغرقت أكثر من عشر ساعات من القاهرة إلى دمياط!

هناك تعليقان (2):

  1. لن أكتب التحية لكولا إلى الملهمة التى كتبت فيها القصيدة بل أكتبها إلى الإحساس بالخوف بالحزن والقهر فأجمل ما بالقصيدة ليس وصفك لتلك اللحظة التى نظرت فيها لعينيها برغم أنها بالفعل رائعة ولكن الأكثر روعة مقاطع التردد ثم الحزن والقهر كانت أطول قصائدك التى قرأتها لك وكانت من أجملها
    عجيبة أمر الكلمات إذا كانت محملة بالأحاسيس تصل مباشرة إلى مستقبل الأحاسيس وإذا كانت غير ذلك فتشعر أن لا شىء
    أريد أن أسألك عن كلمة واحدة لم أعرف أن أقرأها هديتي دِي دِيَّتي
    رفضَتْ برفقٍ، لستُ أشكو ظلَمها، لكنْ يُمزّقُني النَّدَمْ
    فى الأحوال العادية يكون كلمة الألم أوفع من الندم فى آخر البيت ولكنك أكملت فى شرح من أبيات ستة لماذا الندم
    ولكن أما يكون الندم أكبر إن لم تتحدث وتظل تقول يا ليتنى قلت فلعلها أيضا مثلى أنت فعلت مايقطع الندم وليس ما يجلبه وأنا لا أعلق على مسالة شخصية بك بل أتحدث بشكل عام
    حقا رائعة ودمت بخير
    هاسندا

    ردحذف
  2. (هل تقبلي هل تقبلين هديتي دي ديتي) هو تكرار الكلام مع صدى الصوت، لأن القصيدة تجسد لحظة واحدة كأنها بالسرعة البطيئة، وكأن الكلام يتردد صداه.. كنا مغرمين في تلك الآونة بهذه الحيل اللفظية والاستخدامات السينمائية.. رحم الله أيام الشباب :)
    والإنسان دائما ما يندم، سواء إذا فعل وأخفق، أو إذا لم يفعل وضيع الفرصة.. تذكرت أن تلميذا سأل فيلسوفا أن ينصحه هل يتزوج أم لا، فأجابه على الفور: تزوج يا بني، ففي كلتا الحالتين ستندم :).. وهذه هي نفس فكرة النكتة التي يمر فيها طبيب على عنابر المجانين، فيجد في أول عنبر رجلا مجنونا، فيخبرونه أنه أحب امرأة وتزوجت غيره، وفي العنبر الثاني يجد رجلا أشد جنونا من الأول فيخبرونه أن هذا هو من تزوجها :)
    عادي.. لا أحد يرضى بحاله، وهذا هو طبع البشر :)

    ردحذف

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

صفحة الشاعر