المتابعون للمدونة

الجمعة، 11 مارس 2011

أَشِعَّةُ الحُبِّ الغارِب

 أَشِعَّةُ الحُبِّ الغارِب


وفي اللّيلِ قَبْلَ انْطلاقِ القطا رْ ..... ونَفْسي تَطيرُ شُعاعَ انْتِحارْ
أَراكَ هُنالِكَ، بينَ الحُشودِ بعيدًا، ووجْهُكَ ذاكَ الجدارْ
كَذوبٌ دموعُ عيونِكَ، وهْمٌ شُجونُكَ، كُلُّكَ ذَرٌّ مُثارْ
وخَلْفَ جدارِكَ شيءٌ تَكَسَّرَ: مَوجٌ فَتِيٌّ، وشاخَ انْحسارْ
أما كَانَ وهْمُكَ أنْ تَحْتَويني: بَهَاءَاتِ حُلْمٍ، ونُورًا، ونارْ؟

تُقارِبُ خَطْوَكَ عَبْرَ الرّصيفِ، وبيني وبينَكَ قلْبٌ بكى
يُشَوِّهُ وَجْهَكَ ضَغْطُ الزُّجاجِ، وزَيْفُ حَماسِكَ في طَرْقِكَا
وأَفْتَحُ نافذةً للتّخاذلِ، عَلَّي أُفتَّشُ عنْ طَيْفِكَا
تَحَسَّسُ عيْني زوايا انْطفائِكَ، أَسْكُبُ رُوحي على عَيْنِكَا
فَيَخْرِقُ سَمْعي دَوِيُّ فَراغٍ، وصَخْبُ انْشطا
ري على صَخْرِكَا
وأَصْمُتُ عُمْرَ ا نْهما رِ دمائي، تُخَضِّبُ إحْساسَكَ المُرْبَكا
أَراكَ تَصوغُ الأسَى مُضْحكًا لِي، ومِنْ حُرْقةِ القلْبِ مَا أَضْحَكَا

وتُشْفِقُ مِنْ مَصْرَعي أنْ تَبوحَ، فتَسْحَقُ نَفْسَكَ كي تُمْسِكا
تُخَنِّقُ صَدْرَكَ في ساعدَيْكَ لِتَرْدَعَ نَبْضَكَ عمّا حَكَى
وتَدْفنُ عيْنَكَ في اللا مكانِ، فَتَمْرُدُ تُفْصِحُ عنْ جَوفِكَا
تريدُ تُمَزِّقُ لَيْلَ الحَواجِزِ لكنْ يُعَشِّشُ في وَجْهِكَا
فَتُهْطِعُ
لَمْ يَبْقَ غيرُ الكلامِ  فتَخْصِفُ مِنْه عَلى حِسِّكَا
لَيَرْجُمَني كلُّ حَرفٍ بليدٍ، أموتَ كطَيْفي بأعْماقِكَا
ويَهْرُبَ منّي قَطيعُ دموعي، ويَسْحقُ في عَدْوِهِ كِذْبَكَا
فَيَغْدُرُ بحْرُ كلامِكَ تَغْرَقُ، يَنْفُقُ لَفْظُكَ منكَ اشْتكى

خَلانا زمانٌ صَمَتْنا ونَحْكي مَعَ الصّمْتِ أبْياتِ شِعْرٍ رَهيفْ
أراكَ شُموخَ الجَبابِرِ لكنْ تلوذُ بِعيْنيَّ طيْرًا ضَعيفْ
تَقولُ بَعيْنِكَ إنّي رُباكَ، فأسْمعُ بينَ الخيالِ الحَفيفْ
وتُقْسمُ إنّي إذا غِبْتُ يَوْمًا، تَشِبُّ بقلْبِكَ نارُ الوَجيفْ
خلانا زمانٌ صَمَتْنا ونَعْزِفُ مِنْ نَبْضَتينا سلامًا لَطيفْ
مِِنَ السَّحْرِ عطْشى العُيونُ اغْتَرَفْنَ، وما جَفَّ في مُقْلتيْنا الغريفْ
إذا ما الرّموشُ بقدْسِ الضّياءِ اخْتَلَجْنَ فُتونًا حَوانا رَفيفْ
فَتَمْضي بنا مَرْكباتُ الخيالِ لِنَطْفو
على ضوءِ نَجْمٍ شَفيفْ
وتَزْهو بنا رَقْرَقاتُ الضِّياءِ، فَنلهو ونَهْمِي كَنَسْماتِ ريفْ
ونَرْشُِفُ لَهْفًا، وشَهْدًا، وحَلوى اقْتسامِ الأماني ونصْفِ الرّغيفْ

فكيف تَبَدَّلَ صَمْتُكَ لَحْدًا مُقامًا على أمْنياتي مُخيفْ؟
وأَنْكَرَ رَوْضُكَ هَفْهافَ رُوحي، أَرومُكَ لكنْ مصيري الخَريفْ
وأَضْرَعُ كَلْمَى، أُعَلِّقُ عيني على شَفَتَيْكَ بِحسِّ لَهيفْ
فَيُغْرِقُ صَمْتُكَ قَاربَ وهْمي، ونَفْسي تَضيعُ بسيْلِ النّزيفْ
ويَهْوي عليَّ فُتاتُ جدارِكَ يُدْمي أَخاديدَ دَمْعي العنيفْ
ونَبْقى كَلَحْدَيْنِ في رَعْشَةِ الرّيحِ، يَبْكي علينا هوانا السَّليفْ

وترْجو تَهُزُّ الجُمودَ، وتَدْ نو بوجْهِكَ مثْلَ الخيا لِ النّحيفْ
لتَلْفحَ أنْفاسُكَ الحائرا
تُ شجوني، ولكنْ يَفرُّ الرَّصيفْ
أراكَ بعيدًا، هناكَ امْتدادَ انتحارِ الوفاءِ على مُقْلتَيْكْ
وأَشْعُرُ أنّي أَقيءُ كِياني، أضيعُ وأهْرُبُ مِنْ راحَتيكْ
أرى كلَّ ذِكْرى جِراحًا تَئنُّ وتُلْقي ظلالَ التَّلاشي عليْكْ

وشَيْئًا فَشيْئًا، يموتُ وجودُكَ يأْتي عليه صفيرُ القطارْ
يَجَرْجِرُني مِنْ رَدَاكَ وَئيدًا، كَرُوحٍ تُنازِعُ وَقْتَ احْتِضارْ
وتَعْدو جوارَ انْتهائي، ولكنْ يُكبِّلُ زَحْفَكَ ثُقْلُ الجِدارْ
أَراكَ ضئيلا، هناكَ هناكَ، ونَفْسي تَطيرُ شَعاعَ انْتِحارْ

محمد حمدي غانم، 1997  







[1] أهطعَ : أسرع .
[2] خصفَ الورقَ على جسده: وضعه ليستره به .
[3] ينفُق: يموت .
[4] الجبابر = الجبابرة: جمع جبّار.
[5] وجيفُ القلب: اضطرابُه وخفقانه.
[6] الغريف: ماءُ الأجمة.
[7] رفيفُ الأجنحة: رفرفتُها .
[8] شفيف: شفّافٌ.
[9] نهمي: نهيم .
[10] أضرعُ كلمي: أتضرّعُ مجروحةً.
[11] لهيف: ملهوف.
[12] السليف: السالفُ الماضي .
[13] طارتْ نفسَه شَعاعًا: قطعًا متفرّقة مبدّدةَ الهمّة.

ملحوظة:
هذه القصيدة على لسان فتاة، وقد كتبتها تجسيدا لموقف حقيقي شاهدته قبل انطلاق القطار الذي كنت أستقله للعودة من القاهرة إلى دمياط، وكانت هذه أول مرة أركب فيها القطار في حياتي.. وأذكر أنني كتبت هذه القصيدة على ورقة فارغة في نهاية رواية لأجاثا كريستي كانت معي.. وربما لا تكون هذه القصيدة أقوى قصائدي، لكني أعتبرها بداية مرحلة النضج في شعري، ويظهر فيها تأثير احتكاكي بالأصدقاء الشعراء أحمد بلبولة ومحمد حسام ومحمد العساس، الذين أعدَوْني بعشق المدرسة الرومانسية (أبولو)، كما تأثرت أيضا في تلك المرحلة بكتابتي للقصة والرواية، حيث اعتنيت بشكل خاص بكتابة الشعر ذي الطابع القصصي.. وقد تلت هذه القصيدة مجموعة من القصائد التي ما زلت أعتز بها إلى الآن، فهي قصائد العشرين ذات المذاق الجميل، التي تحمل انطلاق الشباب وفورة المشاعر وبكارة التجارب.. ومن هذه القصائد: فتاتي، حين التقينا، الدرويش، آخر لحظات أمنية، ستعرف أنني حبك، في لحظات انكسار، الطاغية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

صفحة الشاعر