المتابعون للمدونة

الأربعاء، 9 مارس 2011

منحدر التنازلات

منحدر التنازلات

في جدال حول النقاب في أحد المنتديات، أعلنت فتاة سعوديّة أنّها تكشف وجهها في مصر، لأنّ العرف هناك يجعل هذا الوضع هو الأفضل، بينما لا تطالِب بمثل هذا في السعوديّة بل تعترض عليه.
لهذا كتبت ما يلي:
أنا لست عالما أو فقيها.. لهذا فأنا أبتعد بكلماتي عن الإفتاء.. ولا أتكلم إلا فيما هو ثابت ومعروف.
وموضوع الحجاب فيه اختلاف منذ الأزل.. وكبار علماء الأمة لم يحسموه.. وإن كان التطبيق على أرض الواقع في مصر والمغرب العربيّ والشام والخليج كان يعطي إجماعا كاسحا في مسألة النقاب، فقد كانت نساؤنا تغطي وجهها طيلة تاريخنا، ولم تكشفه إلا منذ أقلّ من قرن، وبسبب الاستعمار وأزلامه، وليس بسبب الخلاف الفقهيّ.. ولم يكن شيوع النقاب ناتجا عن إكراه سلطويّ بل عن فطرة سليمة، حتّى إن النصرانيات كنّ يرتدينه.. الطريف في الأمر أنّ الفتاة المنتقبة كانت تتزوج في الرابعة عشرة أو أقلّ، بينما اليوم تعبر السافرات والكاسيات العاريات سنّ الثلاثين بدون زواج..
عموما، أنا أفضّل أن أوفر طاقتي لنقاش جذور المشاكل.. والبحث عن اقتراحات الحلول.. لا أن أجادل في خلافات نظريّة.
لكنّي صراحة تضايقت من اعتراف الأخت الفاضلة بكشف وجهها في مصر.
تألمت لأن بلدي يجبر الأفضل على التنازل.
واستأت لأن أختنا تعلن مثل هذا، فلعلها تصير قدوة فيه..
لكني متفق معها في نظرتها للعرف.. خاصة أن تغير أعراف السعودية في الوقت الراهن تدفعه حملة تغريب شرسة.. وهي لن تتوقف أبدا عند كشف الوجه.
وهو نفس ما حدث في مصر في مطلع القرن الماضي.. عندما استغل قاسم أمين ومحمد عبده نفس الخلافات الفقهية للمطالبة بنبذ الحجاب ومن ثم الخروج للتعليم الغربي ومن ثم الاختلاط.
ترون الآن إلى أين وصل الأمر.
دعونا إذن نتجاهل الخلافات الفقهية ونركز في هذه النقطة: في الفارق بين كشف الوجه لدعوة إسلامية، وبين كشفه لدعوة علمانية.
فإذا كان الألباني يؤكد جواز كشف الوجه من منطلق إيمانه بالحق والشرع، فإن ذلك يختلف تماما عمن ينادون بكشفه كخطوة في سبيل التغريب وتدمير الأخلاق والقيم.
وللأسف: الصنف الأخير مسيطر حاليا، ومعه صحف وقنوات ومناهج دراسية وقوانين ومؤسسات.. لهذا فإنه يعرف تماما كيف يجذب الشعوب لمنحدر التنازلات بالتدريج.
إننا نتساءل في دهشة: كيف ترضى إحدى الفتيات أن تتعرى وترقص وتعرض عوراتها أمام الملايين عبر الفضائيات؟
هذا لأنّنا نقارنها بفتاة محتشمة خجول..
ولكنها لم تكن سوى نقلة تافهة بعد ارتدائها المايوه على الشواطئ..
التي لم تكن سوى نقلة تافهة بعد ارتدائها البدي والاسترتش في الجامعة، ورقصها في حفلات الزواج..
التي لم تكن سوى نقلة تافهة بعد كشف شعرها ولبس القصير والمثير..
التي لم تكن سوى نقلة تافهة بعد اختلاطها بالشباب منذ طفولتها في التعليم..
التي لم تكن سوى نقلة تافهة بعد اعتيادها مشاهدة كل هذا الفحش في التلفاز، منذ نعومة أظفارها..
.. وهكذا..
إن الفرق بين أول تنازل وآخر تنازل شاسع.. ولكنه ليس جُرفا حادا.. بل منحدر هين الميل.
***
ودعوني أقص عليكم هذا الموقف الذي حدث لي منذ فترة:
كنت عائدا من القاهرة إلى مدينتي.. وفي الحافلة، كانت تجلس في الصف التالي للذي فيه مقعدي فتاتان.. وكانتا تتكلمان بصوت وصل لمسامعي.. فكان مما قالته إحداهما للأخرى إنها خجول، ولا تدري إذا ما كان هذا صوابا أم أنه خطأ في شخصيتها.. ولكنها تتحرج أن تخاطب زملاءها الشباب في الجامعة إلا إذا كانت تحتاج من أحدهم لخدمة.
فقالت الأخرى إنها تختلف عنها تماما.. وإنها تثرثر مع الشباب وتمزح معهم بطريقة عادية تماما.. وذلك لأنّها كانت في مدارس مختلطة منذ طفولتها ـ بينما لم تكن الأخرى كذلك..
كنت أتمنى أن أقول للفتاة الأولى لا يجب أن تزدري حياءك.. ولا يجب أن تعتذري عنه لمثل تلك الزميلة.
ولكن طبعا لم أقل هذا.. لأنّه كان سيبدأ حوارا، مما يعني عكس ما أدعوهما إليه.
الآن أحب أن ألفت نظركم لشيء هام:
الفتاة الأولى ضعفت أمام الضغوط.. لأن الاختلاط والعبث هما السمة السائدة في الجامعة.. ناهيكم عن الضغوط العاطفية في هذه المرحلة.
وبقولها لزميلتها إنّها لا تدري إن كان خجلها صوابا أم خطأ، فإنّها كانت توعز إليها لتحرضها على الاندماج في هذا الوسط.. وبهذا تقول لنفسها في النهاية: أنا لم أكن أريد هذا.. ولكنها هي التي شجعتني.. هذه حيلة نفسية معروفة يخدّر بها الإنسان ضميره.
ملاحظة أخرى: هل أرسل أهل هذه الفتاة بنتهم لمدينة بعيدة لتتعلم أم لتصاحب الشباب ـ والاحتمالات كثيرة في هذا المسار؟
وما النتيجة المتوقعة من زجّ فتاة في وسط موبوء في مدينة بعيدة بدون رقابة؟.. أضعف الاحتمالات هو أن تتغير فطرتها ويضيع حياؤها وتختلف قيمها.
كل هذا في مقابل شهادة عقيمة لا معنى لها.. لم تعد تضمن وظيفة حتى..
هنا أتذكرّ قصة أخرى عايشتها منذ عامين.. فتاة من الأقاليم تدرس في القاهرة صادقت شابين نصرانيين.. وقد أخذا في تنصيرها عن طريق دفعها للإلحاد أولا، مستعينين بكتب فكرية وفلسفية جعلت الأمور تبدو لها براقة وإبداعيّة.. وقد بدأ الأمر بتشكيكها في قيمة أداء العبادات، وسذاجة التمسك بالأخلاق (والنقطة الثانية كانت أخطر ما في الأمر، لأنّ كلّ شيء يمكن إصلاحه ما عدا شرف الفتاة).. بعد هذا دفعاها للشك في وجود الله.. بعد هذا دفعاها للإيمان ببعض الأفكار البوذيّة عن تناسخ الأرواح ووحدة الوجود وأنّ الإله هو جزء من كلّ الأشياء.. وهذه مقدمة عبقرية لإقناعها بعد هذا أنّ الله ثالث ثلاثة (أب وابن وروح قدس)، فمن المستحيل تقريبا أن يقبل عقل المسلم هذه التصورات غير المنطقيّة بغير هذا المسار..
في هذه الأثناء نقلت زميلتها في الغرفة في المدينة الجامعية هذا الأمر لأحد أصدقائي، الذي أخبرني به.. ولم أكن مستقرّا في القاهرة، ولم أستطع أكثر من أرسل لها أسطوانة عليها الكثير من الملفات المكتوبة والمسموعة والمرئية عن الإعجاز العلميّ في القرآن وبعض محاضرات د. زغلول النجار وعمرو خالد (ومنها محاضرته الرائعة في نلقى الأحبّة عن الباحث عن الحقيقة: سلمان الفارسي رضي الله عنه).. ولا أعرف ماذا حدث بعد هذا، فقد انقطعت أخبارها عنّي.. أسأل الله أن تكون قد ثابت لرشدها وابتعدت عن هذا الوباء.. بأقّل الخسائر.
عموما هذه التجربة أكّدت لي أكثر من شيء.. أهمّها أنّني لن أكون المغفل الذي يرضى بالارتباط بفتاة تغرّبت عن مدينتها في فترة المراهقة.. لأنّ هذا معناه ـ مهما كانت أخلاقها ـ أنّ أهلها قصّروا في تربيتها وتركوها وحيدة ضد نقاط ضعفها في وسط فاسد.. وأنا لا يسعدني أن أصاهر أناسا بهذه الاستهانة.
أمر آخر تأكّدت منه ـ ولم أكن في حاجة لتأكيده ـ هو أن العلمانيين قد فهموها جيدا:
وفّر ظروف الفساد، والباقي مسألة وقت.
إنهم يعرفون جيدا نقاط الضعف الإنساني.

لهذا أقول لكم: منحدر الألف تنازل يبدأ بخطوة..
لقد سبق أن شبّهتُ هذا برصّة دومينو تسلسليّة.. حيث يؤدي سقوط أول قطعة، لسقوط باقي القطع.. لا محالة.

محمد حمدي
2/11/2004

هناك 5 تعليقات:

  1. يابشمهندس العرائس فى الروضة كتيرجدا بس انت قول موافق ولو عايزها لم ترى نور الشمس موجودة بس اجوز وانا اول من يحضر الفرح ومعايا الاستاذ منير

    ردد الدعا دا وان شاء الله يتم ....
    اللهم اني اريد ان اتزوج فقدر لي من النساء من هى اعفهم و احفظهم لي في نفسها و مالي و اوسعهم رزقا و اعظمهم بركة و قدر لي الخير حيث كان

    ردحذف
  2. الأخ العزيز سعد بدر الدين:
    لا يا عم شكرا.. عملتي لا يمكن صرفها في الروضة 
    إضافة إلى هذا، لا يعقل أن أضرب عن الزواج في فترة الاستقرار، ثم أجن فجأة وأقرر الزواج في هذه الفوضى!!.. يجب أن تكون هناك أرض ثابتة أولا لأقرر أن أبني عليها بيتا، وأنا لم أجد هذه الأرض أساسا في الفترة الخاملة الماضية، وما زلت لا أجدها الآن.. فلننتظر بضع سنوات لنر إلى أين سنصل: هل سنكون كالصومال أم سنتحول إلى دولة متقدمة أو على الأقل دولة نامية 
    تحياتي

    ردحذف
  3. أعجبني تحليلك لحوار الفتاتين لكني لا أوافقك الراي في أن كل فتاة تغرّبت عن مدينتها في فترة المراهقة ( فترة طلب العلم ) كما حثنا الرسول الكريم حيث قال صلي الله عليه وسلم اطلبوا العلم ولو في الصين أن هذا معناه ـ مهما كانت أخلاقها ـ أنّ أهلها قصّروا في تربيتها وتركوها وحيدة ضد نقاط ضعفها في وسط فاسد.. لآن هناك اسس وضعها الاهل في ابنتهم والدين والأخلاق هما المحرك والاساس

    ردحذف
  4. أخي الفاضل:
    ليس معنى طلب العلم من الصين أن ترسل ابنتك إلى الصين بمفردها.. هناك ضوابط شرعية لكل أمر في الإسلام، وهناك تفاصيل تخص الرجال وأخرى تخص النساء.
    ومهما كانت هذه الأسس التي تتكلم عنها، فإن المرء على دين خليله، وترك فتاة مراهقة بمفردها غريبة في وسط مجهول، بدون متابعة من الأهل، يعني أنهم تخلوا عن دورهم في تربيتها.. بعض هذه الفتيات ينتمين إلى تيار سياسي أو ديني ويشتركن في المظاهرات وقد لا يريد الأهل هذا، وبعضهم ينتمين إلى ثلة فاسدة ويفسدن وبالتأكيد لا يريد الأهل هذا.. المهم من كان منهما موجودا ليوجه وينصح ويصحح؟
    ثم يقولون لك اسأل عن أهل الفتاة وبيتها؟.. لماذا وهي لم تترب في بيتها أصلا؟.. الأولى أن أسأل عن التلفزيون وزميلاتها ومدرسيها وجامعتها!
    تحياتي

    ردحذف
  5. خلاص اوكي يبقي معني كلام حضرتك ان لو بنتك جتلها كليتها في محافظة غير محافظتها بلاش تكمل تعليم علشان ما تقعدش في المدينة الجامعية او تقضي الدراسة مابين كل يوم رايحة جاية ولا مذاكرة بقي ولا حاجة وفي كلتا الحالتين ضاع مستقبلها أو ممكن توضح وجهة نظرك أكتر

    ردحذف

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

صفحة الشاعر