المتابعون للمدونة

الجمعة، 21 يناير 2011

تونس.. دروس وعبر

تونس.. دروس وعبر
(2)
الناس كفرت!!

طوال عقود، صارت بلادنا ساحة للصراع بين العلمانيين والإسلاميين، حتى نسيت الحكومات العربية واجباتها الرئيسية، وتفرغت بكامل قواها الأمنية والإعلامية والثقافية لمحاربة الإسلاميين وأحيانا الإسلام نفسه، باعتبار أن هذا هو مصدر الخطر الأول والأوحد عليهم!
وكان من نتيجة هذا، أن امتلأت صفحة إنجازات هذه الحكومات بما يلي:
-       إعلام فاحش مخرب للعقل والضمير والأخلاق والانتماء للوطن.
-       تعليم منزوع العلم والتاريخ والإسلام والعروبة يخرج أشباه متعلمين ليصيروا عاطلين عالة على الاقتصاد!
-  ثقافة منحطة غريزية بذيئة إلحادية، وجوائز دولة توزع على الأغبياء والدهماء ومن يسبون الإسلام ويهينون المقدسات ويشككون في الثوابت الدينية.
-  قوانين مريضة تدمر الأسرة والمجتمع لاجتثاث الإسلام من التشريع، وتعطيل الحدود الإسلامية، ومحاولة التخلص مما كان فعالا منها كالقصاص (الإعدام).
-  تشويه شخصية المرأة، وإشاعة العداء بينها وبين الرجل.. وإصدار تشريعات تخل بتوازن الأسرة والمجتمع، وتفجر مشاكل معقدة.
-  إرهاب أمني سياسي، يقابله تسيب في الأمن الاجتماعي، بسبب عدم اكتراث الأجهزة الأمنية بحماية أرواح وممتلكات الناس، وتركيزها على التيارات الإسلامية، وتغافلها عن المجرمين والبلطجية.
-  تولية الجهلة والفجرة واللصوص والمجرمين لكل مناصب البلد، صغرت أم كبرت، وعدم تعيين أي شخص في وظيفة حكومية (حتى لو كانت التدريس) إلا بعد أن يصدق عليه أمن الدولة، لكي لا يصل الإسلاميون إلى أي منصب مهما صغر.
وغير هذا الكثير من الإنجازات، التي تجعل من الطبيعي والمنطقي أن ينهار اقتصاد بلادنا، لأن هذه الحكومات الرشيدة أثناء انشغالها بكل هذه الإنجازات المبهرة، لم تجد وقتا لتطوير التعليم والبحث العلمي والصناعة والزراعة والتجارة والمواصلات والصحة وكل هذه الأشياء (الثانوية)، كما أن من ولتهم المناصب العليا من معدومي الضمير خربوا ما كان قائما أصلا بسبب عدم كفاءتهم، ولأن همهم الأول هو النهب والسرقة لا أكثر.
وهكذا أهملوا أدوارهم واتبعوا أهواءهم، وظنوا أن كل أمر مستقر، فما دام الإسلاميون في المعتقلات والغرب عنهم في رضا، فمم يخشون على كراسيهم ومكاسبهم؟
لكن فجأة ومن حيث لم يحتسبوا، هوت على رؤوسهم الطامة الكبرى، فها هو الشعب التونسي يطيح بالطاغية في ثورة شعبية عفوية، ليس وراءها إسلامي ولا قومي ولا شيوعي، وليست لها أي قيادات تقليدية، بل قادها الشباب الغاضب العاطل عن العمل.. إنها ثورة اقتصادية اجتماعية ضد الظلم والفساد والسرقة وتردي أوضاع المعيشة.. ثورة تعطي درسا كبيرا للحكومات العربية، بأن الخطر عليهم ليس حفنة من المثقفين وأحزاب المعارضة والتيارات الإسلامية فحسب، فهؤلاء لا يستطيعون فعل أي شيء بأنفسهم، ما لم يكن وراءهم جماهير غفيرة.. وهذه الجماهير لا تتحرك إلا إذا يئست من الحياة وضاقت عليها سبل العيش الكريم، ولم تعد ترى أي أمل في حدوث أي تغيير إلى الأفضل إلا إن صنعته هي بأيديها.
كما أن ما حدث يعلمنا أن هذه الحكومات كانت تدمر نفسها بنفسها، وتضع القنابل الموقوتة تحت كراسيها، وذلك للأسباب التالية:
1- بدأت الثورة بانتحار، وهو فعل كفر وليس فعلا إسلاميا!!.. فهل التربية الإسلامية هي التي أطاحت بالطغاة أم التربية غير الإسلامية التي تبناها إعلام الفحش وتعليم الجهل؟!!.. هل قامت الثورة لأن الناس أسلمت أم لأن (الناس كفرت)؟!!.. طبعا لا أعني الكفر الديني هنا، ولكني أعني التعبير الشعبي الذي يشير إلى نفاد صبر الناس، وإن كانت المفارقة الساخرة أن هناك من الناس من كفر فعلا وأحرق نفسه، يائسا من حكامه ويائسا من رحمة الله والعياذ بالله.. وللحكام العرب أن يفخروا بإنجاز جديد، بتحويل التعبيرات البلاغية إلى تعبيرات حقيقية!!
2- الإسلام يأمرنا بالسمع والطاعة للحاكم حتى إن أخذ مالنا وجلد ظهورنا، ما دام يقيم الصلاة.. فهل يعرف الشباب الذين أطاحوا بالطاغية شيئا من هذا؟.. هل الإسلام يهدم النظام أم يقيمه؟
3- كل شيء يزيد عن حده ينقلب إلى ضده.. فتعمد إفقار الناس لضمان السيطرة عليهم بلقمة العيش، هو لعبة خطرة يمكن أن تفلت خيوطها في أي لحظة كما رأينا.
4- حكم الإرهاب والبطش والسرقة ومحاربة الأخلاق والقيم، لا يمكن أبدا أن يحقق الرفاهية للناس، لأنه يمنع وجود مناخ علمي وثقافي ثري، كما أن اللص يحاول دائما أن يجمع حوله لصوصا أصغر لكي لا يحاسبه أحد، وينتشر هذا كالسرطان في جسد المجتمع، فيعين كل لص تحته لصوصا أصغر، فأصغر، إلى أن تفسد المنظومة الإدارية كلها، وتشل كل مظاهر الإصلاح في الدولة، وتعجز عن تحقيق الحد الأدنى من متطلبات الشعب، فيحدث ما حدث.

السؤال الآن:
هل سيتعظ أحد في الدول العربية التي تنطبق عليها نفس هذه الظروف مما حدث في تونس؟
وهل سيصون الحكام العرب الأمانة، فيوكلون كل أمر إلى أهله من ذوي الخبرة والكفاءة والاختصاص؟
أم سيستمرون في زرع القنابل الموقوتة تحت كراسيهم، وهم يظنون أنهم يحمونها من الشرفاء والإسلاميين؟

وصدق الله سبحانه:
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ {37}) ق.

محمد حمدي غانم
20/1/2011


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

صفحة الشاعر