المتابعون للمدونة

السبت، 2 أكتوبر 2010

2- لغة الكيمياء

أبدع حاسب وأبدع نظام تشغيل
2- لغة الكيمياء

يتكوّن جسم الإنسان من 50 إلى 100 تريليون خلية حية، علما بأن التريليون يساوي مليون مليون.. كلّ خلية من هذه الخلايا هي كتلة هلامية مجهرية، لم يكن داروين يدري شيئا عن تركيبها في عصره بسبب تخلف المجاهر الضوئية، ورغم ذلك لم يتورع سيادته عن إطلاق خزعبلاته عن تطور القرود ليصبحوا بشرا لمجرد التشابه في بعض السمات!
رسم مبسط للشريط اللولبي للحمض النووي الوراثي DNA
فأي أسرار مذهلة هي التي لم يكن يدري عنها داروين شيئا، خبأتها الخلية في تركيبها المحكم؟
تحتوي كل خلية على نواة هي مركز التحكم بالخلية.. ولو اعتبرت الخلية جهاز حاسب دقيق الحجم، فإن النواة تعتبر المشغل الدقيق Microprocessor الذي يتحكم بعمل هذه الخلية.. ويوجد بداخل كلّ نواة عدد من الصبغيات (كرموموسومات) ـ عددها 46 صبغيا في الإنسان ـ يتكون كلّ منها من شريطين مجدولَين من المركبات الكيميائيّة.. هذا هو "الحمض النووي الوراثي" DNA.

ولكي تتخيل دقة وإبداع هذا الشريط، أخبرك بأنه لو تمّ فرد كلّ شرائط DNA الموجودة في كلّ خلية من خلايا إنسان واحد فقط وتوصيلها معا، لصارت كافية للتوصيل بين الأرض والشمس أكثر من ألف مرة، علما بأن المسافة بينهما تساوي 149 مليون كيلومتر!
ويعتبر شريط DNA أفضل وسيط تخزين معروف حتى الآن، فالشريط الواحد ـ الذي لا يُرى بالعين المجردة ـ يحمل معلومات تملأ نصف مليون صفحة بحجم صفحات دليل الهاتف، وهو ما يكفي لصنع مكتبة تحتوي على أكثر من عشرة آلاف مجلد ضخم.. ولقد استغرق علماء عدة دول كبرى عِقد التسعينيات كله حتى استطاعوا تدوين هذه البيانات، في مشروع سُمّي "خريطة الجينوم البشري".
لكن مم تتكون هذه المعلومات؟
هذه المعلومات تتألّف من أربعة أنواع فقط من المركبات الكيمائية، هي:
أدنين (A) ـ سيتوزين (C) ـ ثايمين (T) ـ جوانين (G)
وتنشأ المعلومات من طريقة ترتيب هذه المركبات على شريط الحمض النووي لتعطي شفرات معينة تفهمها الخلية.
ولكي تتخيّل الأمر، دعني أذكرك بأنّ كلّ الكتب التي قرأتها في حياتك تتكوّن فقط من 28 حرفا من حروف اللغة العربية.. هذه الحروف تكوّن كلمات (حوالي 2.5 مليون كلمة عربية)، وتكوّن الكلمات جملا (لا حصر لها)، وتكوّن الجمل كتبا (لا حصر لها).
كما أنّ لغة الموسيقى تتكوّن من سبعة أحرف فقط (السلم الموسيقي: دو ـ ري ـ مي ـ فا ـ صو ـ لا ـ سي)، وهي كافية لإنتاج كلّ المقطوعات والألحان المختلفة التي لا تكاد تحصى.
لكن لماذا نذهب بعيدا؟.. ألم نتعرف معا على لغة الحاسب التي تتكوّن من حرفين فقط؟.. ألا يتعامل الحاسب بنظام العدّ الثنائي Binary، حيث تتمّ به كلّ الحسابات والعمليات المنطقية، وعليه تمّ بناء لغات البرمجة ونظم التشغيل والبرامج وطرق تخزين البيانات وعرضها.. إلخ؟
تفهم الآن أنّ عدد حروف اللغة لا يحدّ من إمكانياتها، وعلى هذا فإنّ 4 حروف كيميائيّة في لغة الشفرة الوراثيّة هي أكثر من كافية لعمل المعجزات!
ومن الحروف الأربعة للغة الشفرة الوراثية، يتمّ تكوين كلمات طول كلّ كلمة منها 3 حروف.. معنى هذا أنّ معجم هذه اللغة يتسع فقط لـ (4 أس 3) أي 64 كلمة.
إنّ 64 كلمة هو عدد كاف جدّا لتكوين جمل كثيرة، تختلف في أطوالها.. فلننظر مثلا لهذه الجملة:
GGU,GGC,GGA
هذه الجملة حيثما وجدت مكتوبة في خلية أيّ كائن حيّ، فإنها تؤدّي إلى بناء الحمض الأميني المسمّى الجليسين.
إذن فالجمل المكتوبة بلغتنا الكيميائيّة هي جمل الأحماض الأمينية.. ولو اعتبرنا كل كلمة في هذه اللغة أمرا Command، فيمكن اعتبار الحمض الأميني هو القيمة العائدة Return Value من الدوال Functions المكتوبة بهذه الأوامر!
فترى، ما هي البرامج التي يمكن كتابتها بدوال الأحماض الأمينية؟
هذه البرامج هي البروتينات التي تبني أجسام الكائنات الحيّة.
الجدير بالذكر أن كل البروتينات الموجودة بأجساد الكائنات الحيّة تستخدم 20 نوعا فقط من أنواع الأحماض الأمينية، حيث يختلف كلّ بروتين عن الآخر في نوع وعدد وترتيب الأحماض الأمينية الداخلة في تركيبه.. هذا يعني أننا نحتاج على الأقلّ إلى 20 دالة من دوال لغتنا الكيميائية، لبناء عشرين حمضا أمينيّا تدخل في تكوين حوالي 30 ألف برنامج مختلف يصنع البروتينات الموجودة في الجهاز المعقد المسمى جسم الإنسان!
لكن في الحقيقة، لا يقتصر الأمر على هذه الدوال العشرين، فقد اكتشف العلماء أنّ هناك بعض الدوال لا تبني أحماضا أمينية، بل تستخدم لإعطاء أوامر معيّنة للخلية الحية، مثل بدء إنتاج البروتين أو إيقاف إنتاجه.. إلخ.
دعنا نلخص الأمر هنا:
لدينا لغة برمجة تتكون من 4 حروف، تبني 64 أمرا مختلفا، تدخل في تركيب 20 دالة أساسية (الأحماض الأمينية)، يتم استخدامها ما بين 7 مليارات إلى 8 مليارات مرة، لتكوّن ما بين مليون إلى 2 مليون فئة Class مختلفة تسمى الجينات، وتستخدم هذه الفئات لكتابة 30 ألف برنامج متقدّم لصناعة 30 ألف بروتين، ومن هذه البرامج يتم بناء نظام كامل معقد هو جسم الإنسان.
للمزيد من التفاصيل عن تركيب الخلية والحمض النووي والوراثة، يمكنك زيارة هذه الصفحة:
http://www.werathah.com/learning/index.htm

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

صفحة الشاعر