المتابعون للمدونة

الأربعاء، 4 أغسطس 2010

حِكـايَـةُ البَحْــر

حِكـايَـةُ البَحْــر

أزِِفَ الصّباحُ ولمْ تَبِنْ ... والموجُ يعْوي، والرّياحُ بلا وَطَنْ
يومانِ: لا نومٌ يُظلّلُ مُقْلتيَّ، ولا صُراخٌ أو سَكَنْ
[ ثاوٍ على صخْرٍ أصمَّ و ليتَ لي قلبًا]* يُفتّتُه الشَّجَنْ
لا دمعَ لي، وظننْتُ أنّ فِراقَها طوفانُ دمعٍ من مِحَنْ
والبحْرُ نزْفُ دَمِي، وعينايَ المُسَمَّرتانِ جُرْحٌ لا يئِنّْ
يومانِ: يقبسُ موجُه من عطرِها، ويَضِنُّ هذا البحْرُ أنْ...!
أزِِفَ الصّبـاحُ ولـمْ تَـبِـنْ

قالتْ بأحْرفِها الصّغيرةِ: "أنتَ تُكْملُ غُنْوةَ الشّطِّ البعيدْ"
"عيناكَ كالأصْدافِ: فيها وشْوشاتُ البحْرِ للقلبِ العَميدْ**"
"هيّا نقولُ حكـايةً للرّمْلِ، نبني قصْرَنا، ونُقيمُ عيدْ"
وتبعْتُها، والرّيحُ تمْزجُ في ضفائرِ عُمْرِها حُلْمي الوليدْ
وتشُدُّني للبحْرِ ضاحكةً، وأصْرخُ خائفًا: "لا .. لا أريدْ"
كانتْ عروسَ البحْرِ، تعْشقُ عمْرَه المطْويَّ في السّرِّ الشّريدْ
أزِِفَ الصّبـاحُ ولـمْ تَـبِـنْ

يومانِ مرّا: ربّما صارتْ أميرةَ أغْنياتِ البحْرِ
أو لؤلؤًا .. أو ربّما صارتْ خشوعَ البحْرِ عندَ الفجْرِ
يومانِ: والوقْتُ البليدُ يلوحُ للمذبوحِ مثلَ الدّهْرِ
وأظنُّ أنّي صرتُها: عينايَ نايُ الأمنياتِ البِكْرِ
ثغْري حُسامٌ حاسمٌ، مُتألِّقٌ ببريقِ بَرْقِ الشِّعْرِ
رُوحي رياحٌ تقْلعُ الطّغيانَ، تصْفعُ قهْقهاتِ القهْرِ
أزِِفَ الصّبـاحُ ولـمْ تَـبِـنْ

كانتْ تُحبُّ اللهَ، والتاريخَ، والوطنَ المُعذّبَ، والجِراحْ
لا تنْحني، لا تعْرفُ الصّمْتَ الغبيَّ، ولا يُزلزلُها الصّياحْ
بَرِقتْ لليلِ الخائفينَ الصّامتينَ، وزيّنتْ ثوبَ الصّباحْ
وسخرْتُ من إيمانِها: "لِمَ ترْكضينَ وحيدةً ضدَّ الرِّياحْ؟"
"كوني معي".. قالتْ: "أنا كالبحرِ شُطآني تُحاصرُها الرّماحْ"
"حرّيّتي مَوْجي، ولو أخْمدتُه كلُّ المعاني تُستباحْ"
أزِِفَ الصّبـاحُ ولـمْ تَـبِـنْ

يومانِ مرّا: لمْ تُبارحْ رُوحيَ المطْعونةُ الجسدَ السَّقيمْ
كنّا بهذا الشّطِّ نعدو ضاحِكَيْنِ وبينَ نجْوانا نهيمْ
وتعانقتْ أرواحُنا وأَكُفُّنا، بَيْنَا يُبعْثرُنا النّسيمْ
وتشدَّني للبحرِ ضاحكةً، فأصْرخُ خائفًا: "لا.. لا أرومْ"
والبحْرُ يجْذبُ ثوبَها، وتمدُّ كفّيها إليَّ ولا أقومْ
في لحظةٍ مجنونةٍ مدّتْ وحوشُ البحْرِ أذْرُعَها تَزومْ
فـي البحـرِ غابـتْ لـمْ تَـبِـنْ

أَزِفَ الصّباحُ ولمْ ... ولمْ ... ماذا أرى يخْتالُ فوقَ الماءِ؟
نَبَضَتْ جَوَانِحُ عمريَ المطْعونِ في صدري بِدَفْقِ دمائي
بانتْ أخيرًا، ترتدي ثوبَ الزّفافِ ووجْهُها كسمائي
ومشيْتُ كالمسْلوبِ ، خُضْتُ البحْرَ في ترنيمةِ الأضْواءِ
قالتْ بعينيها: "أُحبُّكَ"، فابتدا عمْرُ الأماني، وابتديتُ غِنائي
وتشدُّني للبحْرِ ضاحكةً ، فأُذْعِنُ ـ باسمًا ـ لندائي
أزِِفَ الصّبـاحُ ولـمْ نَبِــنْ

محمد حمدي غانم
5-12-1999
(نشرت بديوان انتهاك حدود اللحظة)

---------------
* من بيت خليل مُطْران:
"ثاوٍ على صخْرٍ أصمَّ و ليتَ لي قلبًا كهذي الصّخْرةِ الصَّمّاءِ"
** العميد : المَشْغوفُ حبًّا .

هناك تعليقان (2):

  1. قصيدة وانا اتمشى على الشاطئ فى راس البر
    قولى اية رئيك يا باشمهندس
    ***********

    على البحر ماشى لوحدى ياناس
    طلعت عروسة من الجنة
    قلتى خدنى يابن الناس
    حولى حارس يستنى
    قلتلها تعالى ومتخفيش
    دنا قبلى حبك وتهنا
    فرحت وقالت يابن الناس
    انا من زمن عم بستنا
    قلب يخدنى من الحراس
    ويخرجنى من الجنة
    قلتلها مش صعب عليكى
    قالتى معاك انا هتهنا
    فتحت عيونى وقلت خلاص
    لقنى واقف اسنى
    مسنود وجنبى عمود النور
    وعيونى سرحانة ياخونا

    ردحذف
  2. أ. سعد بدر الدين:
    كل عام وأنت بخير..
    زجلية طريفة وخاتمتها مضحكة.. لكن بعض الكلمات استوقفتني، مثل (عم باستنى) السورية، ومثل يخرجني من الجنة، لماذا تريد امرأة أن تخرج من الجنة؟!.. كما أن تعبير: حولي حارس يستنى مبهم.. ربما حولي حارس يسجني يكون أدل.
    عموما، شكرا لك على القصيدة.
    تحياتي

    ردحذف

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

صفحة الشاعر